كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
أَحبّ بلاد الله لي بعد طيبة |
|
ومكة والأقصى مدينة بغدان |
وعلى كل حال، كما قلنا، يصعب تحديد علاقة الشيخ محي الدين بنظام إلا على وجه التخمين وغلبة الظن، ولكن حسن الظن واجب، فربما يكون قد تزوجها أو على الأقل خطبها، ثم حالت الظروف بينهما. وهناك بعض الإشارات تؤكد نظرية الخِطبة أيضاً.
فيقول الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية بعد أن ذكر كتاب ترجمان الأشواق وانتقاد بعض فقهاء حلب له ثم توبتهم بعد أن شرح هذا الكتاب في ذخائر الأعلاق، كما سنعود إلى ذلك عند الحديث عن هذه الكتب، يقول الشيخ بعد ذلك موضحا ضرورة حسن الظن قبل الرجم طالما لا يوجد يقين؛ فيقول إنه لو رأينا رجلاً ينظر إلى وجه امرأة وهو خاطب لها ونحن لا نعرف أنه خاطب وكنّا منصفين في الأمر، لم نُقدِم على الإنكار عليه إذا جهلنا حاله حتى نسأله ما دعاه إلى ذلك. فإن قال أو قيل لنا أنه خاطب لها، أو هو طبيب وبها مرض يستدعي في ذلك المرض نظر الطبيب إلى وجهها، علمنا أنه ما نظر إلاّ إلى ما يجوز له النظر إليه فيه، بل نظره عبادة لورود الأمر من الرسول صلّى الله عليه وسلّم في ذلك. ولا يُنكَر عليه ابتداءً مع وجود هذا الاحتمال؛ فليس الإنكار عليه من المنكِر بأولى من الإنكار على المنكِر في ذلك، مع إمكان وجود هذه الاحتمالات.
ثم يضيف رضي الله عنه أن هذا مما يغلظ فيه كثير من المتديّنين، لا من أصحاب الدين؛ فإن أصحاب الدين المتين أوّل ما يحتاط أحدهم على نفسه ولا سيّما في الإنكار خاصة، لأن الله ندبنا إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن بهم، فلا ينكر صاحب الدين مع الظن وقد سمع قول الله تعالى في سورة الحجرات: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... [12]))، فلعلّ هذا من ذلك البعض وإثمه أن ينطق به، وإن وافق العلم في نفس الأمر (أي وإن كان صحيحاً في النهاية)، فإن الله يؤاخذه بكونه ظنّ وما علم، فنطق فيه بأمرٍ محتملٍ ولم يكن له ذلك. ثم يضيف الشيخ رضي الله عنه فيقول إن سوء ظن الإنسان بنفسه أولى من سوء ظنه بالغير لأنه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة.[2]
ولكن السؤال الذي ربّما يكون مشروعا هو أنّه إن كان تزوّجها فعلا أو خطبها لماذا لم يصرّح بذلك دفعا للريبة والغيبة. فالجواب على ذلك السؤال هو أننا حقيقة لا نملك من كتب الشيخ محي الدين
[1] ترجمان الأشواق: ص150.
[2] الفتوحات المكية: ج3ص563.