كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الخليل (602/1206)
وفي شهر شوال من نفس السنة نجد الشيخ محي الدين مع أصحابه عند مقام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في مدينة الخليل، حيث يلقي عليهم الدروس ويقرأ عليهم بعض كتبه، وخاصة روح القدس الذي يتضح من السماع الموجود في أحد مخطوطاته أنه ألقي في الخليل يوم الرابع عشر من شوال وكان السامعون هم: علي بن عبد الله بن عبد الرحمن الفاسي، أحمد بن إبراهيم بن عبد الله المرسي، علي بن عبد الرزاق بن علي البوشي، عبد الله بن محمد القيسي وهو الناسخ.
كتاب اليقين (الخليل، 14 شوال 602)
وفي أثناء وجوده في الخليل كتب ابن العربي كتاباً صغيراً عن اليقين حيث يقول في الباب الثاني والعشرين ومائة: "ولنا في اليقين جزء شريف وضعناه في مسجد اليقين مسجد إبراهيم الخليل في زيارتنا لوطاً عليه السلام".[1]
وقد ذكر الشيخ محي الدين في هذا الكتاب أن اليقين هو استقرار العلم في القلب بحيث لا يزول أبداً. ثم يضيف رضي الله عنه أن اليقين على أربعة أركان: علم، عين، حق، وحقيقة؛ فالثلاثة الأولى من القرآن الكريم والرابعة من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لكل حق حقيقة"،[2] فهو مثل كلّ الأشياء الطبيعية قائم على التربيع، وذلك كان مطابق لنشأته الجسمانية المكونة من أربعة حروف (ي ق ي ن)، فيكون في المجموع ثمانية؛ أربعة جسمانية وأربعة روحانية أو غيبيّة، وذلك مثل العرش الذي يحمله يوم القيامة ثمانية واليوم أربعة، كما ورد في الحديث.[3]
فيقول الشيخ محي الدين أن أغلب الناس لا يعرفون من اليقين إلا الأربعة الأركان الجسمانية التي هي حروفه، وليس لهم قدم في المعاني الروحانية لليقين، وهي التي بها سار من سار على الماء وطار من طار في الهواء.
ثم شرع الشيخ محي الدين بتفصيل هذه الأركان الثمانية لليقين، وذكر معانيها وأسرارها بالرمز حيناً وحيناً مصرّحا. وذكر الشيخ رضي الله عنه في نهاية هذا الكتاب الصغير أن سبب تأليفه لهذا الكتاب أنه
[1] الفتوحات المكية: ج2ص205.
[2] ورد في الحديث عن أنس قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دخل المسجد والحارث بن مالك نائم فحركه برجله: قال: ارفع رأسك، فرفع رأسه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارث بن مالك؟ قال: أصبحت يا رسول الله مؤمنا حقاًّ قال: إن لكل حق حقيقة فما حقيقة ما تقول؟ قال: عزفت عن الدنيا، وأظمأت نهاري وأسهرت ليلي، وكأني أنظر إلى عرش ربي فكأني أنظر إلى أهل الجنة فيها يتزاورون وإلى أهل النار يتعاوون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت امرؤ نوّر الله قلبه عرفت فالزم. (انظر كنز العمّال: حديث رقم 36989).
[3] الفتوحات المكية: ج1ص148، ج3ص184.