كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
مجموعة رسائل ابن عربي (طبعة حيدر آباد). وقد نقلنا جزءاً منه من باب الرؤية في بداية الفصل الثاني عند الحديث عن رؤية الله تعالى.
شهاب الدين السهروردي (بغداد/مكة 608)
تؤكد العديد من المصادر أن الشيخ محي الدين التقى بشهاب الدين أبي حفص عمر السهروردي في هذه السنة إما في بغداد أو في مكة المكرمة. يقول المقرِّي في "نفح الطيب" أن عبد الله بن سعد اليافعي اليمني ذكر في "الإرشاد" أنّه لما اجتمع ابن العربي مع الشهاب السّهروردي أطرق كلّ واحد منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام! فقيل للشيخ ابن عربي: ما تقول في السّهروردي؟ فقال: مملوءٌ سنّةً من قرنه إلى قدمه. وقيل للسّهروردي: ما تقول في الشيخ محي الدين؟ فقال: بحرُ الحقائق.[1]
والسهروردي هو الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عمويه السهروردي، ولد سنة 539/1144 ودرس في بغداد وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي وأخذ العلوم عن علماء عصره حتى تصدّر مجالس العلم واشتهر. ثم تولى مشيخة عدة ربط للصوفية كرباط الزوزوني ورباط المأمونية وكان له مكانة عظيمة عند الخليفة العباسي الناصر لدين الله وأصبح سفيراً له إلى الملوك والأمراء. ومن أهم مؤلفاته كتاب "عوارف المعارف"، وتنسب إليه الطريقة النقشبندية السهروردية.[2] توفي السهروردي رحمه الله سنة 632/1235 في بغداد، ومقامه لا يزال هناك يزار في منطقة تسمى الشيخ عمر.
وتجدر الإشارة إلى أن شهاب الدين السهروردي هو غير السهروردي المقتول مؤسس المذهب الإشراقي والذي أعدم في حلب بأمر من صلاح الدين الأيوبي بسبب دسائس الفقهاء عليه سنة 586/1191 لدى الملك الظاهر ملك حلب والذي اشتكى ذلك لابن العربي كما رأينا أعلاه.
وقد نقل الشيخ محي الدين بشكل غير مباشر عن الشيخ شهاب الدين السهروردي عدة أقوال منها ما قاله في الباب الخمسين وثلاثمائة حيث يقول الشيخ رضي الله عنه:
وقد بلغنا عن الشيخ العارف شهاب الدين السهروردي ببغداد رضي الله عنه أنه قال بالجمع بين المشاهدة والكلام، ولكن ما نقل عنه أكثر من هذا؛ فإني سألت الناقل فلم يذكر لي نوع التجلي. والظن بالشيخ جميل فلا بد أنه يريد التجلي الصوري.[3]
ثم يوضح الشيخ محي الدين معنى ذلك فيقول إن الخطاب في حال الفناء (الذي لا بدّ أن يحصل عند المشاهدة) لا يصح لأن فائدة الخطاب أن يُعقل، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في سورة الشورى: ((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ
[1] ذكر ذلك المقرِّي في نفح الطيب (ج2ص182) نقلا عن الإمام عبد الله بن سعد اليافعي اليمني في الإرشاد.
[2] انظر ترجمته في "ذيل الروضتين": ص163، "طبقات الشافعية": ج5ص143، "الحوادث الجامعة": ص74، "مرآة الزمان": ص679، "النجوم الزاهرة": ج6ص292، "شذرات الذهب": ج5ص153، "البداية والنهاية": ج13ص138، 143، "وفيات الأعيان": ج3ص446.
[3] الفتوحات المكية: ج3ص213.