كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الذي يليق بجلال الله سبحانه، من غير أن يعطّلوا الآيات ومن غير أن يقيّدوا الذات الإلهية بعالم التشبيه والأجسام.
وعلى الحقيقة لا يمكن الخروج من التناقض الظاهري بين ظاهر أوصاف التشبيه في القرآن الكريم والسنّة الشريفة وحقيقة تنزيه الله تعالى عن صفات الخلق سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، أقول لا يمكن الخروج من ذلك التناقض الظاهري مع الالتزام بنفي المجاز إلا بعد فهم حقيقة الخلق والوجود وعلاقة الخالق بخلقه وهو ما يؤدي في النهاية إلى ما يسمّى وحدة الوجود التي سنتكلم عنها أدناه وشرحنا طرفا منها في الفصول السابقة، ولكنّها في الحقيقة أمر عويص وصعب المنال وسوف نخصص له كتابا منفردا كما وعدنا إن شاء الله تعالى.
ولكن من جهة أخرى ومن خلال دراسة أقوال ابن العربي وأمثاله نستطيع أن نلخّص هنا أن السرّ في الخروج من التناقض المذكور هو نسبيّة العبارات اللغوية، فالأوصاف التي وصف الله تعالى بها نفسه هي أوصاف حقيقية وليست مجازية، لأن القرآن لا يجوز أن يكون مجازياً، لأنه كما قال الله تعالى في سورة هود: ((الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [1]))، ورغم ذلك قال في سورة آل عمران: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ))، ولكن رغم ما فيه من المتشابه فهو محكم، ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ))، ولكن لا بدّ من التأويل حتى نردّ المتشابه إلى محكم، وإنّما لا يجوز أن يكون التأويل وفق هوى النفوس، ولذلك أتبع الله تعالى بقوله: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [7]))، فيكون ردّ المتشابه إلى المحكم من غير تأويل مجازي بل بتأويل حقيقي يلتزم بقواعد اللغة والكلام ويلتزم بقواعد العلم والإيمان، ولا يعتمد على العقل البشري الذي يصيب حيناً ويخطئ في أغلب الأحيان.
فمثلا إن الله سبحانه وتعالى يقول بشكل صريح في سورة طه: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [5]))، فلماذا نُقحم أنفسنا في تأويلات بعيدة فنقول أن الاستواء بمعنى الاستيلاء أو الإحاطة إلى غير ما هناك ممّا ورد في أغلب التفاسير، فإن في ذلك تحديد وتعطيل للمعنى الذي يقصده الله تعالى. وفي نفس الوقت لا يجوز تصوّر الرحمن سبحانه أنه جسم جلس على جسم كما يوهم بذلك ظاهر الكلام لعامة الناس والكثير من علمائهم، سبحانه وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا. فلو شبّهنا أخطأنا، ولو عطّلنا أخطأنا، والخروج كما قلنا يكون إما بالسكوت والإيمان بأن نقول: معناها هو كما يريده الله تعالى وكما يليق بجلاله، وهذا هو الطريق السليم الأسلم. والطريق الآخر لمن أصرّ على الفهم، وهو طريق العلماء المحققين، هو أن نجمع بين الوجهين بأن نقول أن الرحمن استوى على العرش حقّاً، وليس استولى أو غيره، ولكنّ استواءه على العرش ما هو مثل استواء الملك أو السلطان على الكرسي، فليس العرش ككرسي الملك في الشكل والجسم، وليس الرحمن كذلك كالبشر سبحانه وتعالى حتى يجلس على الكرسي كما يفعل البشر، ولكن استواءه على العرش أمرٌ لا ندرك كنهه لأننا لا ندرك ذات الله سبحانه ولا نعرف تماماً ما هو العرش المقصود هنا. فنحن مثلا عندما نقول: "طار العصفور" نتخيل العصفور وأجنحته وخفقانها، ولكن عندما نقول "طارت الطائرة" نتخيّل