كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
يطلقونها بإزاء المتجرّد عن إرادته.[1]
الجذبة
والجذبة أو الجذب مصطلح صوفي يُقصد به "ملاحظة العناية الإلهية للعبد باجتذابه إلى حضرة القرب" وذلك بأن يهيّئ الله له كلّ ما يحتاجه في طريقه لاجتياز المنازل والمقامات دون كلفة ولا مشقّة، بعكس المريد السالك الذي يقطع الطريق بالمجاهدة والرياضة. ويقول شيوخ التصوف: إن صاحب الجذبة يرى في بدايته ما يكون له في نهايته، وإن جذبةً من جذبات الحق تُربي على أعمال الثقلين.
فالمراد إذاً مجذوبٌ عن إرادته، وهذه الحالة خطيرة جدّاً بين الصوفية. يقول الشيخ محي الدين في رسالة الأنوار: "فإن الإنسان إذا تقدم فتحُه قبل رياضته فلن يجيء منه رجلٌ أبداً إلا في حكم النادر"،[2] وهكذا كان ابن العربي من هذه النوادر.
شيخه الأول عيسى عليه السلام
إذاً، على الرغم من أن فتحه كان جذبةً سبقت رياضته، فإن بداية الشيخ محي الدين ابن العربي في طريق التصوف لم تكن تحوّلا أو منعطفا غير متوقّع في حياته كما قد يُتوهّم من بعض الروايات، لأن طبيعته وميوله كانت منذ صغره موافقة لأهل الله تعالى من الفقراء والزهّاد إلى أن انتظم كليّاً في طريق الزهد منذ بداية شبابه وربّما قبل بلوغه سنّ الرشد، حيث بدأ التربية على أيدي شيوخ عصره كما ذكرنا أعلاه.
ولكن الشيخ الأكبر كثيراً ما يشير في الفتوحات المكية كيف أن توبته حصلت في الحقيقة على يد عيسى ابن مريم عليه السلام، في رؤيا مبشّرة رآه فيها مع غيره من الرسل صلى الله وسلم عليهم أجمعين، كما سنتطرّق إلى ذلك بمزيد من التفصيل بعد قليل. وهذا معنى قوله في الفتوحات: "ومن الواقعة كان رجوعنا إلى الله، وهي أتمّ العلل وهي المبشرات...."،[3] وقال أيضاً في مزيد من التفصيل في الباب التاسع والعشرين وخمسمائة في معرض حديثه عن معرفة حال قطب، يبدو أنه هو نفسه الشيخ الأكبر، كان منزله الآية من سورة الأعراف ((وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ... [58])):
اعلم أيّدنا الله وإياك بروح القدس أن هذا الذِكر كان لنا من الله عزّ وجلّ؛ لمّا دعانا الله تعالى
[1] الفتوحات المكية: ج2ص525.
[2] الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من أنوار، تأليف: ابن عربي الحاتمي الطائي و(شرح) عبد الكريم الجيلي ، تحقيق: عاصم كيالي، دار الكتب العلمية-بيروت،2004، ص102.
[3] الفتوحات المكية: ج2ص491.