كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
أقول لآدم أصل الجسوم |
|
كما أصل الرسالة شرع نوحِ |
|
ولتوضيح بعض المعاني التي وردت في هذه القصيدة نذكّر أن ابن العربي يعتبر أن أصل أرواحنا روح محمد صلّى الله عليه وسلّم فهو "أوّل الآباء روحاً" كما أن آدم عليه السلام "أوّل الآباء جسماً" ونوحٌ عليه السلام "أوّل رسول أرسل"، ومن كان قبله إنما كانوا أنبياء. فكما قال في نفس هذا الباب الثالث عشر وثلاثمائة أن أول شخص استفتُحت به الرسالة هو نوح عليه السلام، وأول روح إنساني وُجد هو روح محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأول جسم إنساني وُجد جسم آدم عليه السلام.[3]
التربية الروحية
لقد رأينا أعلاه أن الطريق الطبيعي للتصوف هو مجاهدة النفس وترويضها وتربيتها على أيدي الشيوخ المرشدين المختصين بذلك. وهذه المجاهدة والرياضة أمرٌ صعبٌ وطويلٌ قد يستغرق سنواتٍ طوالا ويستدعي الكثير من الصبر على الجوع والزهد والسهر حتى تموت النفس وتضمحل فيها صفة الربوبية وتبقى صفة العبودية والفقر لله تعالى، عندئذ تصبح النفس مستعدة لتلقي التجليات الإلهية وتنفتح عين بصيرتها إلى عالم الغيب وهو المعبّر عنه بالفتح. وعلى الرغم من أن توبة الشيخ الأكبر الحقيقية كانت على يد عيسى بن مريم عليه السلام الذي يقول عنه: "وهو شيخنا الأول الذي رجعنا على يديه وله بنا عناية عظيمة لا يغفل عنا ساعة واحدة"،[4] وعلى الرغم من أن الفتح قد حصل له في مدة وجيزة عن طريق الجذبة ولم يحتج إلى رياضة وسلوك طويل، ولكنه كان لا بد من المواظبة على التربية الروحية على يد شيوخ زمانه حتى يصقل مواهبه ويهيّئ نفسه لبلوغ الدرجات الرفيعة التي كانت تنتظره. وذلك لأنه كما رأينا أعلاه: "فإن الإنسان إذا تقدم فتحُه قبل رياضته فلن يجيء منه رجل أبداً إلا في حكم النادر."[5]
[1] الغزالة هي اسم للشمس.
[2] معنى قتل المسيح هنا، هو قتل المسيح الدجّال وهو رمز للهوى الذي يبدو للنفس بصورة العقل فيغريها بفعل أشياء تحسبها من العقل وهي أوهام تؤدي إلى مفاسد وضلالات وتحقيق شهوات عاجلة. انظر في "سلوك القلب": ص148.
[3] الفتوحات المكية: ج3ص49.
[4] الفتوحات المكية: ج3ص341.
[5] رسالة الأنوار، ضمن رسائل ابن عربي، طبعة حيدرآباد، ص5.