كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
فمن رجع من الناس إنما رجع من قبل الوصول إلى رأس العقبة، والإشراف على ما وراءها.[1]
وأما من يصل من الكُمَّل من الرجال فإنه لا يعود إلى الدنيا إلا لطلب الكمال وإرشاد العباد. وقد ذكرنا ذلك في كتاب سلوك القلب من الوجود إلى الفناء ثم البقاء؛ فبعد أن يفنى العبد عن نفسه، ويبقى بربّه، يمكن أن يعود إلى الدنيا ليكون دليلا على ربّه، وهي الدعوة إلى الله على بصيرة كما ذكرها الله تعالى في آخر سورة يوسف.
فيقول الشيخ محي الدين أن السبب الموجب للرجوع مع هذا إنما هو طلب الكمال، ولكن لا ينزل بل يدعوهم من مقامه ذلك، وهو قوله على بصيرة، فيشهد فيعرف المدعوّ على شهود محقق.
وكذلك فمن الناس من لا يعود بعد الشهود فالذي لم يُردّ ما له وجه إلى العالم فيبقى هناك واقفا، وهو أيضاً المسمى بالواقف، فإنه ما وراء تلك العقبة تكليف ولا ينحدر منها إلا من مات. ثم يقول الشيخ أن من الواقفين من يكون مستهلَكا فيما يشاهده هنالك وقد وجد منهم جماعة وقد دامت هذه الحالة على أبي يزيد البسطاميّ وهذا كان حال أبي عقال المغربيّ وغيره.[2]
وسوف نجد في الفصل الرابع أن الشيخ محي الدين سيزور الشيخ يوسف الكومي في مدينة سلا جنوبي المغرب، وربما ذهب إلى هناك بشكل مخصوص كي يودع شيخه الذي تربى على يديه لأنه قد قرّر أن يسافر بشكل نهائي إلى المشرق.
الشيخ المربي أبو العباس العريبي (إشبيلية، بعد 580/1184)
لقد كان الشيخ أبو العباس العريبي أول شيخ يلتقيه ابن العربي في طريق التصوف، فالتزم معه وسلّم إليه نفسه ملتزما بالآداب العامة للمريدين. والعريبي أصله من العلياء في البرتغال غربي الأندلس وكان قد جاء إلى إشبيلية لتربية المريدين وتعليمهم طريق الزهد والتصوف، وكان يدعو إلى تقوية صلة القربى بأهل الله وتفضيلها على القرابة الجسدية:
كنت قاعداً يوماً بإشبيلية بين يدي شيخنا في الطريق أبي العباس العريبي من أهل العليا بمغرب الأندلس فدخل عليه رجل فوقع ذكر المعروف والصدقة فقد قال الرجل: الله يقول "الأقربون أولى بالمعروف"، فقال الشيخ على الفور: "إلى الله"، فما أبردها على الكبد.[3]
المربي الأول
وكان هذا الشيخ هو أول شيخ التزم معه ابن العربي وخدمه وانتفع به. ففي أثناء حديثه عن مقامات العبودية المطلقة قال:
[1] الفتوحات المكية: ج1ص253.
[2] الفتوحات المكية: ج1ص251.
[3] الفتوحات المكية: ج3ص696، 705.