كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
مجالسة الملائكة
كما ذكر الشيخ محي الدين أيضاً فإنّ فاطمة القرطبية كانت من بين بعض الرجال والنساء الذين كانوا يجالسون الملائكة ويستفيدون منهم. فالملائكة هم أنوار خالصة لا فضول عندهم، وعندهم العلم الإلهيّ الذي لا مِرية فيه فيكون جليسهم في مزيد علم بالله دائماً مع الأنفاس. ولكن كما هو الحال مع رؤية الجن والحديث معهم فكذلك قد يتخيّل بعض الشيوخ أنهم يجالسون الملائكة وهم إنّما يتخيلون صوراً فاسدة، فيقول الشيخ الأكبر أن من ادّعى مجالسة الملأ الأعلى ولم يستفد في نفسه علماً بربّه فليس بصحيح الدعوى وإنما هو صاحب خيال فاسد. ثم يضيف الشيخ الأكبر أن أصدقَ من رآهم في هذا الباب من النساء فاطمة بنت ابن المثنى بإشبيلية، وشمس أم الفقراء بمرشانة، وأم الزهراء بإشبيلية أيضاً، وكلبهار بمكة وتدعى ست غزالة. ومن الرجال أبو العباس بن المنذر من أهل إشبيلية، وأبو الحجاج الشبربلي من قرية بشرف إشبيلية تسمى شبربل، ويوسف بن صخر بقرطبة.[1]
قرطبة
تعتبر قرطبة من أعظم مدن الأندلس وهي تقع في غرب البلاد وتمتد على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكبير. يحدّها من الشمال مدينة ماردة، ومن الجنوب مدينة قرمونة، ومن الغرب مدينة إشبيلية.
تأسست قرطبة في العصر الروماني عام 152 ق.م وفتحها المسلمون عام 93/711 واستقر بها ولاة الأندلس قرابة ثلاثة قرون بدءً من عام 139/756 عندما أعلنها صقر قريش عبد الرحمن الداخل عاصمة له فجعلها مهدا للعلم والثقافة والفنون والآداب، وبقيت كذلك حتى سقطت الخلافة الأموية عام 404/1013، حين ثار جند البربر على الخلافة ودمروا قصورها وهدّموا آثارها. من أهم معالمها، قصر قرطبة القديم الذي اتخذه عبد الرحمن الداخل مقرّاً له، وقصر الرصافة، والمسجد الجامع بالإضافة إلى أكثر من 900 حمام عام.
بعد سقوط الدولة الأموية وظهور ملوك الطوائف مثل بني عبّاد وغيرهم، كما رأينا في الفصل الأول، استولى كلّ أمير على ناحية من الأندلس وخربت قرطبة وعمرت إشبيلية ببني عبّاد حتى صارت عاصمة الأندلس. ولكن بقيت قرطبة كإحدى المدن المتوسطة واستطاعت أن تحتفظ ببعض عظمتها حتى فتحها فرناندو الثالث سنة 633/1236، فهجرها عدد كبير من سكانها المسلمين واستبدلهم فرناندو بسكان آخرين من النصارى، وحوّل مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة كبرى.
من أهم أعلام قرطبة ابن حزم الظاهري صاحب المحلّى، وقد ذكره ابن العربي بالخير ولكنه نفى عن نفسه أنه قد تأثر به كما ذكرنا من قبل، بالإضافة إلى عدد كبير من الشعراء والعلماء منهم ابن عبد ربّه صاحب كتاب العقد الفريد، وابن زيدون الشاعر المجيد، وأبو عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي
[1] الفتوحات المكية: ج1ص274، وانظر كذلك: ج1ص206.