كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
التي يسعى وراءها الإنسان من طعام وشراب وجماع، وهذه أمور يشترك بها الإنسان والحيوان؛ فمن ملكته نفسه الشهوانية كان أشبه بالبهائم منه بالناس فيقلّ حياؤه ويسعى وراء أصحاب الفجور ويهرب من أهل العلم. وأما من ملك نفسه الشهوانية فيصبح عفيفا شريفا ضابطا لنفسه. وأما النفس الغضبية فهي أيضاً مشتركة بين الإنسان والحيوان وهي تدعو صاحبها للغضب والدفاع عن نفسه وممتلكاته وتدعوه إلى حب الرئاسة والغلبة، وهي أقوى وأضرّ من النفس الشهوانية إذا ملكت صاحبها.
وأما النفس الثالثة التي تميّز بها الإنسان عن سائر الحيوانات فهي التي يكون بها الفكر والفهم والتمييز، ومع ذلك فإن لها فضائل ورذائل فمن فضائلها التحكم بالنفس الشهوانية والنفس الغضبية وهي تدعو الإنسان لاكتساب العلوم والسعي وراءها. وأما رذائلها فهي الخبث والحيلة والخديعة والمكر والحسد والرياء.
وبعد ذلك سرد الشيخ محي الدين في القسم السادس أنواع الأخلاق المختلفة وبيّن حدودها ومذمومها من محمودها، مثل العفة والقناعة والحلم والوقار والود والرحمة والوفاء وأداء الأمانة وكتمان السر والتواضع والبِشر والصدق والسخاء والشجاعة والمنازعة والهمة والحميّة والعدل والفجور والشرَه والتبذل والسفه والخرق، وهو كثرة الكلام، والقحة، وهو قلة الاحتشام، والعشق والقساوة والتهاون والغدر والخيانة وإفشاء السر والكبر والعبوس والكذب والخبث والبخل والجبن والحسد والجزع والجور إلى ما هنالك من الصفات.
ثم خصّص الشيخ رضي الله عنه القسمين الآخرين لتوضيح طريق تحصيل الأخلاق الحميدة والتعوّد عليها، ثم ذكر أوصاف الإنسان التام الجامع لمحاسن الأخلاق وكيف يمكن أن يصل الإنسان إلى هذه المرتبة.
فكان الكتاب كما قلنا صغيرا في الجرم عظيما في الفائدة،[1] ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الباحثين يرون أن كتاب الأخلاق الذي كتبه ابن العربي ليس هو هذا الكتاب المعروف والمطبوع الذي لخصناه هنا.
مقام الحزن
يقول الشيخ الأكبر أنه التقى بفاس برجل اسمه عبد الله السمّاد الذي كان الغالب عليه مقام الحزن. ويقول الشيخ محي الدين أن الحزن إذا فُقد من القلب خرب؛ فالعارف يأكل الحلوى والعسل، والمحقق الكبير يأكل الحنظل، فهو كثير التنغيص لا يلتذّ بنعمة أبداً مادام في هذه الدار لشغله بما كلّفه الله
[1] لقد ذكر الشيخ محي الدين هذا الكتاب في نهاية كتاب الفتوحات المكية الذي ختمه بباب كبير فيه العديد من الوصايا المفيدة وهو الباب 560 الذي يوجد منه طبعات كثيرة بشكل منفصل باسم كتاب الوصايا. أنا بالنسبة لكتاب الأخلاق الذي ذكرناه فهو مطبوع أيضاً بعدة طبعات منها ضمن مجموعة رسائل ابن العربي، دار المحجة البيضاء، بيروت، 2000.