كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الله تعالى. فيقول في كتاب الباء أنه لما كان ببجاية في شهر رمضان سنة سبعة وتسعين وخمسمائة رأى ليلةً في المنام أنه نكح نجوم السماء كلَّها فما بقي نجم في السماء إلا نكحه بلذّة عظيمة روحانية، ثم لمّا أكمل نكاح النجوم، أعطي الحروف فنكحها كلَّها في حال إفرادها وتركيبها. ويقول إنه شُخّص له حرف فاء[1] الذي هو فاء الباء الظرفية فأُعطي فيها سرّاً إلهيّاً يدلُّ على شرفها وما أودع الله فيها من الجلال عندها.[2]
ثم يقول الشيخ محي الدين أنه عرض هذه الرؤيا بشكل غير مباشر على رجل عارف كان بصيراً بالرؤيا وتعبيرها وقال للذي عرضها عليه أن لا يذكره عند هذا الرجل. فلما ذكر المنام له استعظمه وقال: هذا هو البحر الذي لا يُدرَك قعرُه، صاحب هذه الرؤيا يُفتح له من العلوم العلويّة وعلوم الأسرار وخواصّ الكواكب والحروف ما لا يكون بيد أحدٍ من أهل زمانه. ثم سكت هذا الرجل ساعةً وقال إن كان صاحب هذه الرؤيا في المدينة فهو هذا الشاب الذي وصل إليها وذكر ابن العربي. فبهت صاحب الشيخ محي الدين الذي نقل الرؤيا وتعجّب، فقال له الرجل: ما هو إلا هو، فلا تخفي عني! فقال: نعم هو صاحب الرؤيا. فقال الرجل: ولا ينبغي أن يكون في هذا الزمان إلا له، فعسى أن تحملني إليه لأسلّم عليه. فقال: لا أفعل حتى أستأذنه. فلما استأذن الشيخ أمره ابن العربي أن لا يعود إليه، ثم سافر بعد ذلك بقليل ولم يجتمع به.[3]
إقامته الثانية في تونس (شهر شوال 597-رجب 598)
إذن بعد هذه الرؤيا مباشرة غادر الشيخ محي الدين بجاية، بصحبة محمد الحصار وصاحبه عبد الله بدر الحبشي متجها إلى تونس التي كان قد زارها سنة 590 وأقام فيها عند الإمام أبي محمد عبد العزيز المهدوي، والذي سيبقى بصحبته هذه المرة حوالي تسعة أشهر كما سنرى.
كنز الكعبة المشرّفة (تونس، 598/1202)
وأثناء وجوده في تونس أُتي له بقطعة ذهب من الكنز الموجود تحت الكعبة، حيث يقول ابن العربي أن الله تعالى قد أودع في الكعبة كنزاً أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يُخرجه فينفقه ثم بدا له في ذلك لمصلحة رآها، ثم أراد عمر بعده أن يخرجه فامتنع اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهو فيه إلى الآن. ثم يضيف الشيخ محي الدين قائلا أنه سيق له من هذا الكنز لوح من ذهب جيء به إليه وهو بتونس سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وفيه شق غلظه أصبع عرضه شبر وطوله شبر أو أزيد مكتوب فيه بقلم لم يعرفه. ولكن ابن العربي يقول إنه سأل الله أن يردّ هذا اللوح إلى موضعه أدباً مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو أخرجه إلى الناس لثارت فتنة عمياء فتركه أيضاً لهذه المصلحة، فإنه صلّى الله عليه وسلّم ما تركه
[1] هكذا وردت في المطبوعة.
[2] كتاب الباء: ص10-11، وأيضاً كتاب الكتب: طبعة حيدر آباد، ص49.
[3] كتاب الباء: ص11.