كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
بتحصيل الرياضة على يد هذا الشيخ جزاه الله عني كل خير.[1]
وكذلك نجد أن الشيخ محي الدين كان منذ بدايته في مراتب الشيوخ الكبار رغم صغر سنه وحداثته، فكان بعض الناس من الذين ليس لهم قَدم في طريق التصوّف يثقون به أكثر مما يثقون بغيره من الشيوخ كما كان حال الخطيب أبي القاسم ابن عفير حين كان الشيخ أبو عمران الميرتيلي، الذي سنذكره بعد قليل، يحاول إقناعه بأحوال أهل التصوف:
وسمعت شيخنا أبا عمران موسى بن عمران الميرتلي بمنزله بمسجد الرضي بإشبيلية وهو يقول للخطيب أبي القاسم بن عفير، وقد أنكر أبو القاسم ما يذكر أهل هذه الطريقة: يا أبا القاسم لا تفعل فإنك إن فعلت هذا جمعنا بين حرمانين: لا نرى ذلك من نفوسنا ولا نؤمن به من غيرنا وما ثَمّ دليلٌ يردّه ولا قادحٌ يقدح فيه شرعاً وعقلاً، ثم استشهدني على ما ذكره، وكان أبو القاسم يعتقد فينا، فقرّرت عنده ما قاله بدليلٍ يسلّمه من مذهبه، فإنه كان محدّثا، فشرح الله صدره للقبول وشكرني الشيخ ودعا لي.[2]
الدوافع
وفي كل الأحوال فمن الصعب أيضاً تحديد ما حصل بالتحديد لابن العربي مما أدى به إلى الدخول في طريق التصوف، وذلك لأن ابن العربي نفسه لم يتكلم عن هذه المسألة بشكل صريح ومباشر رغم أنه عادة ما يذكر ما يحصل له من الأمور المهمة بقدر جيّد من التفصيل. ولكن هناك رواية يذكرها القاري البغدادي في كتابه "مناقب ابن العربي" الذي خصصه لتوضيح سيرته والدفاع عن مذهبه وأقواله،[3] غير أنه، أي البغدادي، ربما لم يكن دقيقا بما فيه الكفاية لدرجة أنه لا يمكن الوثوق بكل ما يذكره مع أنه كان يحاول عن حسن نيّة إقناع المعارضين لابن العربي بأيّ ثمن. من أجل ذلك يجب أن نأخذ القصة التالية التي يرويها بحذر شديد، خاصّة وأنّها تبدو محبوكة بشكل جيّد وفقا لما يُروى عن أحوال الكثير من أعلام التصوّف كابن الأدهم وغيره، ولكن بما أنها هي المصدر الوحيد حتى الآن فلا بأس من ذكرها.
فيذكر البغدادي أنه في إحدى المناسبات دُعي والدُ ابن العربي إلى حفلة عند أحد أصدقاءه مع الأمراء والوزراء وأبنائهم وكان ابن العربي معهم. فبعد أن أكلوا حتى التخمة وجاء دور الشراب فصُبّ الخمر ودارت الكؤوس، فلما جاء الدور إلى محمد وملئ له الكأس فمسكه ليشرب ولكنه سمع صوتا يناديه: "يا محمد، أنت لم تُخلق لهذا!" فرمى الكأس من يده وخرج من الدار وخرج إلى خارج المدينة وهناك التقى براعي غنم فاستصحبه معه واستبدل بثيابه لباس الراعي وخرج إلى إحدى المقابر فوجد قبرا قد خرب وصار مغارة فدخل فيه وصار يذكر الله تعالى ولا يخرج إلا وقت الصلاة. فقال ابن العربي، كما يروي
[1] الفتوحات المكية: ج1ص616.
[2] الفتوحات المكية: ج2ص6.
[3] القاري البغدادي، مناقب ابن العربي، ص22.