كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
شاء الشيخ أخذ بيدِ المريد من أسفل سافلين وألقاه في عليين في لحظة واحدة.
ويقول الشيخ محي الدين أنه رآه مرة في النوم وقد انشق صدره وفيه مصباح يضيء كأنه الشمس، فقال له: يا محمّد هات، فأتاه محمد بحقّين أبيضين كبيرين فتقيّأ فيهما لبناً حتى ملأهما ثمّ قال له: اشرب! فشرب الشيخ محي الدين. فيقول الشيخ محي الدين أن جُلّ ما هو فيه كان من بركة الشيخ الكومي وبركة الشيخ أبي محمد الموروري الذي سنذكره في آخر هذا الفصل.
وكان الشيخ محي الدين صادقا في صحبته للشيخ يوسف حتى إنه يقول إنه كان كلّما تمنّاه في بيته لمسألة تخطر له يراه أمامه فيسأله ويجيبه ثم ينصرف.
أول مسألة ألقاها على ابن العربي
ويذكر الشيخ الأكبر في روح القدس أن أول مسألة ألقاها عليه شيخه يوسف الكومي وذلك في أول ساعة رآه فيها وقد أقبل عليه بكليته أن قال له: ما الذنب الذي يأتيه المارّ بين يدي المصلي حتى يودّ أن يقف أربعين خريفا؟[1] فأجابه ابن العربي على ذلك على حدّ ما وقع له في وقتها، فسُرّ الشيخ بذلك.
مسألة أخرى صعبة (586/1190)
ومن المسائل الأخرى الصعبة التي طرحها الشيخ الكومي على ابن العربي سنة ست وثمانين وخمسمائة هي أنه إذا اجتمع عارفان في حضرة شهودية عند الله ما حكمها؟ فأجاب الشيخ الأكبر: يا سيدي هذه مسألة تُفرض ولا تقع إلا إذا كان التجلي في حضرة المِثل كرؤيا النائم وكحال الواقعة، وأما في الحقيقة فلا لأن الحضرة لا تسع اثنين بحيث أن يشهد معها غيرها، بل لا يشهد عينه في تلك الحضرة فأحرى أن يشهد عيناً زائدة! ولكن يُتصور هذا في تجلي المثال؛ فإذا اجتمعا فلا يخلو كل واحد منهما أن يجمعهما مقام واحد أعلى أو أدنى أو متوسط أو لا يجمعهما، فإن جمعهما مقام واحد فلا يخلو إما أن يكون ذلك المقام مما يقتضي التنزيه أو التشبيه أو المجموع. وعلى كل حال فحكم التجلي من حيث الظهور واحد ومن حيث ما يجده المتجلَّى له مختلف الذوق لاختلافهما في أعيانهما، لأن هذا ما هو هذا لا في الصورة الطبيعية ولا الروحانية ولا في المكانية وإن كان هذا مثلٌ لهذا.[2]
ومن هنا كان مبدأ قول الشيخ محي الدين بأن التجلي لا يتكرر مرتين لنفس الشخص ولا مرة لاثنين، وذلك من اسم الله تعالى "الواسع" وكذلك من اسمه "الخلاّق"، فلا تكرار في الوجود، وهذا مبدأٌ فيزيائي وفلسفي على غاية من الأهمية ما سُبق الشيخ محي الدين إليه، ويصلح أن يكون أساسا لنظرية كونية تستطيع تفسير الكثير من الظواهر المستعصية في العلم الحديث. وقد ناقشت هذه المسألة بالتفصيل في
[1] حديث متفق عليه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه". انظر في كنز العمال: رقم 2302، وكذلك: رقم 19249، 19250.
[2] الفتوحات المكية: ج2ص476.