موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أقسامه

وإذا عرتك بلية فاصبر لها ... صبر الكريم فإنه بك أعلم

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

أقسامه:

ذكر العلماء للصبر تقسيمات منوعة (١)، وكلها ترجع إلى هذه الأنواع الثلاثة: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر على المصائب.

فالصبر على الطاعات: هو الاستقامة على شرع الله، والمثابرة الدائمة على العبادات المالية والبدنية والقلبية، ومواصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يعترض ذلك من أنواع الابتلاء وصنوف المحن؛ لأن من ورث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعوته وجهاده لا بد أن يصيبه ما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تكذيب ومحاربة وأذى، قال تعالى حكاية عن لقمان يوصي ابنه: {ي بُنَيَّ أَقِمِ اَلصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ واِنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ واِصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ} [لقمان: ١٧].

وقد أقسم الله تعالى أن الناجين هم من تحقّقوا بصفات أربع:

الإيمان، والعمل الصالح، والنصح للأمة، ثم الصبر على ذلك. فقال تعالى: {والْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُو وعَمِلُوا اَلصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالْحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر].

والصبر عن المعاصي: هو مجاهدة النفس في نزواتها، ومحاربة انحرافها، وتقويم اعوجاجها، وقمع دوافع الشر والفساد التي يثيرها

__________

(١) انظر كتاب الإحياء للغزالي، و قوت القلوب لأبي طالب المكي، و مدارج السالكين لابن القيم، وغير ذلك من الكتب الموسعة.

الشيطان فيها؛ فإذا ما جاهدها وزكاها وردّها عن غيّها وصل إلى الهداية التامة، قال الله تعالى: {والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} [العنكبوت: ٦٩]. وكان من المفلحين ببشارة الله تعالى بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى (١٤) وذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (١٥)} [الأعلى: ١٤ - ١٥]، وقوله تعالى: {وأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى اَلنَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} [النازعات: ٤٠ - ٤١].

وأما الصبر على المصائب: بما أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء، فإن الله تعالى يختبر إيمان عباده - وهو أعلم بهم - بأنواع المصائب، ويمحص المؤمنين بصنوف المحن كي يميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق.

قال تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ اَلنّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُو آمَنّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ١ - ٢]. سواء أكانت هذه المصائب في المال أو في البدن أو في الأهل، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٨٦]. وقال تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ والْأَنْفُسِ واَلثَّمَراتِ وبَشِّرِ اَلصّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لله وإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ}

[البقرة: ١٥٦ - ١٥٧].

ولا شك أن المؤمن الصادق يتلقى هذه المصائب بالصبر والتسليم؛ بل بالرض والسرور، لأنه يعلم أن هذه النكبات ما نزلت عليه من خالقه إلا لتكفير ذنوبه ومحو سيئاته، كما قال عليه الصلاة والسّلام: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا همّ ول حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه (١). كما أنه

__________

(١) رواه البخاري في صحيحه في كتاب المرض، ومسلم في كتاب البر عن أبي سعيد -



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!