موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ب - ومن السنة ** | ** ج - وأما أقوال العلماء

٢ - وقوله تعالى: {ولا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وم بَطَنَ}

[الأنعام: ١٥١].

والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي: الحقد والرياء والحسد والنفاق ...

ب - ومن السنة:

١ - كل الأحاديث التي وردت في النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد ... وأيضا الأحاديث الآمرة بالتحلي بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة فلتراجع في مواضعها.

٢ - والحديث الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (١).

فكمال الإيمان بكمال هذه الشعب والتحلي بها، وزيادته بزيادة هذه الصفات، ونقصه بنقصها، وإن الأمراض الباطنة كافية لإحباط أعمال الإنسان، ولو كانت كثيرة.

ج - وأما أقوال العلماء:

لقد عدّ العلماء الأمراض القلبية من الكبائر التي تحتاج إلى توبة مستقلة، قال صاحب جوهرة التوحيد :

وأمر بعرف واجتنب نميمة ... وغيبة وخصلة ذميمة

كالعجب والكبر وداء الحسد ... وكالمراء والجدل فاعتمد

__________

(١) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما في كتاب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه.

يقول شارحها عند قوله - وخصلة ذميمة -: أي واجتنب كل خصلة ذميمة شرعا، وإنما خصّ المصنف ما ذكره؛ يعد اهتماما بعيوب النفس، فإن بقاءها مع إصلاح الظاهر كلبس ثياب حسنة على جسم ملطّخ بالقاذورات، ويكون أيضا كالعجب وهو رؤية العبادة واستعظامها، كما يعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه، فهذا حرام، وكذلك الرياء فهو حرام. ومثل العجب الظلم والبغي والكبر وداء الحسد والمراء والجدل (١).

ويقول الفقيه الكبير العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (إن علم الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرض عين، ومثلها غيرها من آفات النفوس، كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة، والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة وطول الأمل، ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات من الإحياء . قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا إليه.

وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماته وعلاجها، فإن من لا يعرف الشر يقع فيه) (٢).

ويقول صاحب الهدية العلائية : (وقد تظاهرت نصوص الشرع والإجماع على تحريم الحسد، واحتقار المسلمين، وإرادة المكروه بهم، والكبر والعجب والرياء والنفاق، وجملة الخبائث من أعمال

__________

(١) شرح الجوهرة للباجوري ص ١٢٠ - ١٢٢ توفي سنة ١٢٧٧ هـ.

(٢) حاشية ابن عابدين المسماة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، ج ١/ص ٣١.

القلوب، بل السمع والبصر والفؤاد، كل ذلك كان عنه مسؤولا، مما يدخل تحت الاختيار) (١).

ويقول صاحب مراقي الفلاح : (لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة، بالإخلاص، والنزاهة عن الغلّ والغش والحقد والحسد، وتطهير القلب عما سوى الله من الكونين، فيعبده لذاته لا لعلة، مفتقرا إليه، وهو يتفضل بالمن بقضاء حوائجه المضطر بها عطفا عليه، فتكون عبدا فردا للمالك الأحد الفرد، لا يسترقك شيء من الأشياء سواه، ولا يستملك هواك عن خدمتك إياه.

قال الحسن البصري رحمه الله:

ربّ مستور سبته شهوته ... قد عري من ستره وانهتكا

صاحب الشهوة عبد فإذا ... ملك الشهوة أضحى ملكا

فإذا أخلص لله، وبما كلفه به وارتضاه، قام فأدّاه، حفّته العناية حيثم توجه وتيمّم، وعلّمه ما لم يكن يعلم.

قال الطحطاوي في الحاشية : دليله قوله تعالى:

{وَاتَّقُوا الله ويُعَلِّمُكُمُ الله (٢)} [البقرة: ٢٨٢]).

فكما لا يحسن بالمرء أن يظهر أمام الناس بثياب ملطخة بالأقذار والأدران، لا يليق به أن يترك قلبه مريضا بالعلل الخفية، وهو محل نظر الله سبحانه وتعالى:

تطبّب جسمك الفاني ليبقى ... وتترك قلبك الباقي مريضا

لأن الأمراض القلبية سبب بعد العبد عن الله تعالى، وبعده عن جنته

__________

(١) الهدية العلائية علاء الدين عابدين ص ٣١٥.

(٢) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص ٧٠ - ٧١.

الخالدة؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر (١).

وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه، ونجاته في نجاته من أمراضه المذكورة.

وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه، وتدق عليه علل قلبه، فيعتقد في نفسه الكمال، وهو أبعد ما يكون عنه، فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه، والتعرف على دقائق علل قلبه؟ وما الطريق العملي إلى معالجة هذه الأمراض، والتخلص منها؟

إن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية، وتزكية النفس والتخلص من صفاتها الناقصة.

قال ابن زكوان في فائدة التصوف وأهميته:

علم به تصفية البواطن ... من كدرات النفس في المواطن

قال العلامة المنجوري في شرح هذا البيت: (التصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس، أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر والرياء والغضب والطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء، لأن علم التصوف يطلع على العيب والعلاج وكيفيته، فبعلم التصوف يتوصل إلى قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله سبحانه وتعالى) (٢).

__________

(١) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(٢) النصرة النبوية للشيخ مصطفى إسماعيل المدني على هامش شرح الرائية للفاسي ص ٢٦.

أما تحلية النفس بالصفات الكاملة؛ كالتوبة والتقوى والاستقامة والصدق والإخلاص والزهد والورع والتوكل والرضا والتسليم والأدب والمحبة والذكر والمراقبة ... فللصوفية بذلك الحظ الأوفر من الوراثة النبوية، في العلم والعمل.

قد رفضوا الآثام والعيوبا ... وطهّروا الأبدان والقلوبا

وبلغوا حقيقة الإيمان ... وانتهجوا مناهج الإحسان (١)

فالتصوف هو الذي اهتم بهذا الجانب القلبي بالإضافة إلى ما يقابله من العبادات البدنية والمالية، ورسم الطريق العملي الذي يوصل المسلم إلى أعلى درجات الكمال الإيماني والخلقي، وليس - كما يظن بعض الناس - قراءة أوراد وحلق أذكار فحسب، فلقد غاب عن أذهان الكثيرين، أن التصوف منهج عملي كامل، يحقق انقلاب الإنسان من شخصية منحرفة إلى شخصية مسلمة مثالية متكاملة، وذلك من الناحية الإيمانية السليمة، والعبادة الخالصة، والمعاملة الصحيحة الحسنة، والأخلاق الفاضلة.

ومن هنا تظهر أهمية التصوف وفائدته، ويتجلى لنا بوضوح، أنه روح الإسلام وقلبه النابض، إذ ليس هذا الدين أعمالا ظاهرية وأمورا شكلية فحسب لا روح فيها ول حياة.

وما وصل المسلمون إلى هذا الدرك من الانحطاط والضعف إلا حين فقدوا روح الإسلام وجوهره، ولم يبق فيهم إلا شبحه ومظاهره.

__________

(١) لفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية للعلامة ابن عجيبة على هامش شرح الحكم لابن عجيبة ج ١/ص ١٠٥.

لهذا نرى العلماء العاملين، والمرشدين الغيورين، ينصحون الناس بالدخول مع الصوفية والتزام صحبتهم، كي يجمعوا بين جسم الإسلام وروحه، وليتذوقوا معاني الصفاء القلبي والسمو الخلقي، وليتحققوا بالتعرف على الله تعالى المعرفة اليقينية، فيتحلو بحبه ومراقبته ودوام ذكره.

قال حجة الإسلام الإمام الغزالي بعد أن اختبر طريق التصوف، ولمس نتائجه، وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام) (١).

وقال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: (من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر). وفي هذا القول يقول ابن علاّن الصديقي (ولقد صدق فيما قال - يعني أبا الحسن الشاذلي - فأي شخص يا أخي يصوم ولا يعجب بصومه؟ وأي شخص يصلي ولا يعجب بصلاته؟ وهكذا سائر الطاعات) (٢).

ولما كان هذا الطريق صعب المسالك على النفوس الناقصة، فعلى الإنسان أن يجتازه بعزم وصبر ومجاهدة حتى ينقذ نفسه من بعد الله وغضبه.

قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: (عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين. وكلما استوحشت من تفردك فانظر إلى الرفيق السابق،

__________

(١) النصرة النبوية على هامش شرح الرائية للفاسي ص ٢٦.

(٢) إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص ٧.

واحرص على اللحاق بهم، وغضّ الطرف عن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله تعالى شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفتّ إليهم أخذوك وعاقوك) (١).

***

__________

(١) المنن الكبرى للشعراني ج ١/ص ٤.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!