الكشف عند عمر بن الخطاب الخليفة الثاني رضي الله عنه

بالعالية جداد (١) - يعني: صرام - عشرين وسقا (٢)، فلو كنت جددته تمر عاما واحدا انحاز لك، وإنما هو مال الوارث، وإنما هما أخواك وأختاك. فقلت: إنما هي أسماء، فقال: وذات بطن ابنة خارجة، قد ألقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا، فولدت أمّ كلثوم (٣).

قال التاج السبكي رحمه الله تعالى: (وفيه كرامتان لأبي بكر رضي الله عنه:

إحداهما: إخباره أنه يموت في ذلك المرض، حيث قال: وإنما هو اليوم مال وارث.

والثانية: إخباره بمولود يولد له، وهو جارية. والسر في إظهار ذلك استطابة قلب عائشة رضي الله عنها في استرجاع ما وهبه لها ولم تقبضه، وإعلامها بمقدار م يخصها، لتكون على ثقة، فأخبرها بأنه مال وارث، وأنّ معها أخوين وأختين (٤).

الكشف عند عمر بن الخطاب الخليفة الثاني رضي الله عنه:

وقد شهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه من الملهمين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد كان فيمن قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر (٥).

__________

(١) الجداد: قال ابن الأثير: الجداد بالفتح والكسر: صرام النخل وهو قطع ثمرتها يقال جد الثمرة يجدها جدا ج ١. ص ١٧٣.

(٢) الوسق: قال في القاموس: ستون صاعا أو حمل بعير، وأوسق البعير حمله حملا.

(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات، ذكر وصية أبي بكر. ج ٣. ص ١٩٥.

(٤) حجة الله على العالمين للشيخ يوسف النبهاني البيروتي ص ٨٦٠.

(٥) رواه البخاري في صحيحه في كتاب المناقب، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة.

فإن أمته عليه الصلاة والسّلام أفضل الأمم، وإذا ثبت أنهم وجدوا في غيره فوجودهم فيها أولى، وإنما أورده مورد التأكيد، كقول القائل:

إن كان لي صديق ففلان. يريد اختصاص كمال الصداقة لا نفيها عن غيره. والمحدّث: هو الملهم الصادق الظن، وهو من أوقع في قلبه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره.

قال التاج السبكي رحمه الله تعالى: (كان عمر رضي الله عنه قد أمّر سارية بن زنيم الخلجي على جيش من جيوش المسلمين، وجهزه على بلاد فارس، فاشتد على عسكره الحال على باب نهوند وهو يحاصرها، وكثرت جموع الأعداء، وكاد المسلمون ينهزمون، وعمر رضي الله عنه بالمدينة، فصعد المنبر وخطب، ثم استغاث في أثناء خطبته بأعلى صوته: [يا سارية! الجبل. من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم] (١).

فأسمع الله تعالى سارية وجيشه أجمعين، وهم على باب نهاوند صوت عمر، فلجأو إلى الجبل، وقالوا هذا صوت أمير المؤمنين، فنجوا وانتصروا).

وقال التاج السبكي رحمه الله تعالى: (لم يقصد إظهار الكرامة، وإنما كشف له، ورأى القوم عيانا، وكان كمن هو بين أظهرهم حقيقة، وغاب عن مجلسه بالمدينة واشتغلت حواسه بما دهم المسلمين، فخاطب أميرهم خطاب من هو معه) (٢). ففي هذه القصة شيئان:

الأول: الكشف الصحيح والرؤية العيانية على بعد آلاف الأميال،

__________

(١) قال العجلوني: وإسناده كما قال الحافظ ابن حجر حديث حسن ج ٢. ص ٣٨٠.

(٢) حجة الله على العالمين للشيخ يوسف النبهاني البيروتي ص ٨٦٠.

وأين (التلفزيون) في مثل هذه القصة الواقعة قبل أربعة عشر قرنا؟

الثاني: إبلاغ صوته سارية على هذا البعد الشاسع.

ورأى عمر رضي الله عنه قوما من مذحج فيهم الأشتر فصعّد النظر فيه وصوّب ثم قال: (قاتله الله إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا فكان منه ما كان) (١).

وأخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال: (إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل م حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه) (٢).

وأخرج عن الحسن قال: (إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدّث فهو عمر بن الخطاب) (٣).

وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هدية الحمصي قال: (أخبر عمر بأن أهل العراق حصبوا أميرهم، فخرج غضبان، فصلى فسها في صلاته، فلما سلم قال: اللهم إنهم قد لبّسوا عليّ فالبس عليهم، وعجّل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية؛ ل يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم).

قلت: أشار به إلى الحجاج. قال ابن لهيعة: وما ولد الحجاج يومئذ (٤).

__________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوي ج ١. ص ١٤٣.

(٢ - ٤) تاريخ الخلفاء للعلامة جلال الدين السيوطي ص ١٢٧ - ١٢٨.