موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


2 - وأما الصنف الثاني

كتّابهم: نكلسون الإنكليزي، وجولدزيهر اليهودي، وماسينيون الفرنسي وغيرهم.

فتارة يدسّون السم في الدسم، ويمدحون الإسلام في بعض كتبهم كي ينالوا ثقة القارئ، فإذا اطمأنّ إليهم، وركن إلى أقوالهم شككوه في عقائده، وحشوا قلبه بأباطيل ألصقوها بالإسلام زورا وبهتانا.

وتارة ينتحلون صفة الباحث العلمي المتجرد، أو يلبسون ثوب الغيور على الدين، المتباكي على تراثه، فيشنون حملة شعواء على التصوف، وقد عرفوا أنه روح الإسلام وقلبه النابض، فيدّعون أنه مقتبس من اليهودية أو النصرانية أو البوذية، ويتهمون رجاله بعقائد مكفرة وأفكار منحرفة ضالة، كالقول بالحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، ووحدة الأديان، وغير ذلك.

ونحن لا نعتب عليهم لأنهم أعداء، وهذا شأن العدو الماكر، ولا ندخل في تفاصيل الردّ عليهم، وتفنيد افتراءاتهم بعد أن علمنا أغراضهم ومآربهم الخبيثة. ولكننا نعتب على جماعة يدّعون الإسلام ثم يتبنّون آراء هؤلاء الخصوم الألداء وخصوص في طعن الإسلام في روحه وجوهره، ألا وهو التصوف. فهل يصح لمسلم عاقل أن يتخذ أقوال الأعداء المتحاملين المغرضين الكافرين حجة لطعن إخوته المؤمنين؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.

ولو كان هؤلاء المستشرقون صادقين في دفاعهم عن الإسلام مخلصين في زعمهم بتنقيته من الشوائب وغيرتهم عليه وحبهم له، فلماذا لم يعتنقوه؟! ولم لم يتخذوه منهجا لهم في حياتهم؟!

٢ - وأما الصنف الثاني: فهم الذين جهلوا حقيقة التصوف الإسلامي ولم يأخذوه عن رجاله الصادقين وعلمائه المخلصين؛ بل نظروا إليه

نظرة سطحية بعيدة عن التمحيص والتبين، وهؤلاء أقسام:

أ - قسم أخذوا فكرتهم عن التصوف من خلال أعمال وسلوك بعض الدخلاء والمنحرفين من أدعياء التصوف؛ دون أن يفرّقوا بين التصوف الحقيقي الناصع، وبين بعض الوقائع المشوهة التي تصدر عن الدخلاء على الصوفية والتي لا تمتّ إلى الإسلام بصلة (١).

ب - وقسم خدعوا بما وجدوه في كتب السادة الصوفية من أمور مدسوسة أو مسائل دخيلة؛ فأخذوها على أنها حقائق ثابتة، دون تحقيق أو تثبت (٢) أو إنهم أخذوا الكلام الثابت في كتب الصوفية ففهموه على غير مراده، حسب فهمهم السطحي وعلمهم المحدود، وأهوائهم الخاصة، دون أن يرجعوا إلى كلام الصوفية الواضح الذي لا يحيد عن لب الشريعة، والذي يعطي الضوء الناصع والنور الكاشف لتأويل هذا الكلام المتشابه (٣).

مثلهم في ذلك كمثل الذي في قلبه زيغ ومرض؛ فأخذ الآيات القرآنية المتشابهة في القرآن الكريم فأوّلها حسب هواه وانحرافه، دون أن يلتفت إلى سائر الآيات القرآنية المحكمة التي تلقي النور على معاني هذه الآيات المتشابهة وتوضح معانيها، وتبين أغراضها. قال الله تعالى في حقهم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ واِبْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ}

[آل عمران: ٧].

__________

(١) انظر بحث بين الصوفية وأدعياء التصوف ص ٤٤٩ في هذا الكتاب.

(٢) انظر بحث الدس على العلوم الإسلامية ص ٣٩٨ في هذا الكتاب.

(٣) انظر بحث التأويل ص ٤١٥ في هذا الكتاب.

لهذا ولئلا يلتبس الأمر على جاهل أحمق أو مغرض متحامل، وضع علماء الصوفية عقائدهم صريحة واضحة لا تحيد عن مذهب أهل السنة والجماعة، ومنهم الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى، فقد ذكر عقيدته واضحة مفصلة في مطلع كتابه الفتوحات المكية، وكذلك صاحب الرسالة القشيرية وغيرهما ..

ج - وقسم هم المغشوشون المخدوعون الذين أخذوا ثقافتهم وعلومهم عن المستشرقين كما بيّنّا سابقا، وتبنّوا مزاعمهم وأباطيلهم كأنها بدهيات لا تقبل الجدل، أو تنزيل من حكيم حميد. ولم تسعفهم الفطانة والذكاء إلى إدراك حقيقة هؤلاء المستشرقين الذين نصبوا أنفسهم وجنّدوا ثقافتهم لهدم الإسلام، بتشويه معالمه، وطعنه في جوهره وروحه.

إلا أن هذه الأمة الإسلامية لا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله (١)، ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلا، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بنور الله أهل الضلال والعمى، اهتدوا بهدي النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، واستضاءوا بنوره على مر الأزمان والدهور ..

***

__________

(١) أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ومرّ الحديث وعزوه ص ٤٢.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!