موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ترجمة المؤلف

لمحة موجزة عن حياة المؤلف رحمه الله

- ألف -

[ترجمة المؤلف]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وله الحمد تبارك وتعالى أن حفظ لنا هذا الدين بأن جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعل هذا الإرث لا ينقطع إلى يوم الدين، كما أخبرنا حبيب ربّ العالمين بقوله صلّى الله عليه وسلّم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون .

وإنه ليسرّنا أن نقدم لأحد هؤلاء الورّاث الكمّل الذين نقلوا لنا هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولا وفعلا وحالا، فجزاه الله عنّا وعن المسلمين كل خير.

لمحة موجزة عن حياة المؤلف رحمه الله

هو العارف بالله، المربّي الكبير، سيدي الشيخ عبد القادر بن عبد الله بن قاسم بن محمد بن عيسى عزيزي الحلبي الشاذلي؛ يصل نسبه إلى الشيخ عمر البعّاج إلى سبط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسين بن علي رضي الله عنهما.

ولد في مدينة حلب سنة/١٣٣٨/هجرية الموافق/١٩٢٠/ميلادية

- ب -

لأبوين صالحين عاش بينهما طفولة سعيدة؛ وفي مرحلة شبابه المبكر عاش عدة نشاطات دينية ودنيوية، تعرّف خلالها على بعض رجال التصوف من أهل الشريعة والحقيقة، وتنقّل بين عدة أعمال دنيوية، ولكنّه لم يجد طموحه في عمل تجاري أو مهنة من المهن، ولا في صحبة من عرف من المنتسبين إلى التصوف؛ فصرف همّته إلى طلب العلم فصاحب العلماء منهم الشيخ محمد زمّار، والشيخ أحمد معوّد، ثم صحب الشيخ حسن حساني شيخ الطريق القادرية؛ فسلك على يديه ثم أذن له الشيخ بالطريقة القادرية، وخلال صحبته للشيخ حسن حساني درس العلوم الشرعية في المدرسة الشعبانية الشرعية، وأخذ العلوم الشرعية عن كبار العلماء الأجلاّء في حلب أمثال الشيخ عبد الله سراج الدين والشيخ أحمد الكردي، والشيخ أحمد معوّد، والشيخ محمد ملاّح، والشيخ عبد الوهاب ألتونجي رحمهم الله تعالى؛ وبدأ خلال دراسته أولى مراحل حياته المفعمة بالدعوة إلى الله تعالى، فكان إماما لمسجد ساحة حمد في أحد أحياء حلب، واستطاع في فترة قصيرة تحويله إلى جامع تقام فيه صلاة الجمعة، ويضم أعدادا من المقبلين على الله، ويلتقي فيه المؤمنون في الجمعة والجماعات.

وبدأت ملامح شخصية الشيخ الجذّابة الآسرة تتألق في هذه الفترة حتى تعشّقه عدد من زملائه في الدراسة، ورغبوا في صحبته والتزام مجالسه، فكان مجلس الشيخ مقصد الطامحين لطبقة واسعة من الشباب، الذين رأوا في حسن مظهره ومظهر محبيه صورة محببة للتديّن الذي لا يجعل تديّنهم سببا لانصرافهم عن حياتهم وانزوائهم كما يرون من بعض الصور القاصرة لبعض المتدينين.

ولم يكن طموح الشيخ رحمه الله ليقف عند هذا الحد مما وصل إليه

- جـ -

في صحبة الشيخ حسن حساني؛ فراح يبحث عمّا يوصله إلى حقائق التصوف التي كان يشده إليها أمثال كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم ، الذي شرح فيه الصوفي الكبير ابن عجيبة حكم ابن عطاء الله السكندري رحمه الله؛ وقد عبر عن ذلك بقوله: كنت أقرأ كتاب إيقاظ الهمم فأرى فيه من حقائق التصوف وعلومه ما لا أراه في نفسي، فعرفت أنه لا بد لي من صحبه مرشد كامل يقف على أمثال هذه الحقائق .

ولم يجد الشيخ بغيته في حلب، فسافر إلى دمشق والتقى بكثير من مشاهير علمائها، وكان كثيرا ما يتردد إلى زيارة الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي رحمه الله لعلّ الله أن يجمعه بأحد الشيوخ أو يهديه إلى أحدهم، فألهم صحبة الشيخ محمد الهاشمي شيخ الطريقة الشاذلية الذي التقى به في الجامع الأموي الكبير وهو يشرح بعض مباحث علم التوحيد؛ فحضر المجلس وأقبل على الشيخ وتعرّف إليه، فقال له الشيخ: جئت آخر الناس وتكون أولهم بإذن الله تبارك وتعالى، فأنا أنتطرك من زمن طويل .

فتم للشيخ مبتغاه، فصحب هذا العالم الكبير وأخذ عنه ما كان يصبو إليه من العلم والمعرفة، ولمّا رأى الشيخ الهاشمي رحمه الله استعداد الشيخ وأهليّته أذنه بالورد العام والخاص، كما أذنه بتربية المريدين وإرشادهم، كما أوضح ذلك في إجازته له الموجود نصّها آخر هذا الكتاب وذلك سنة/١٣٧٧/هجرية/١٩٥٨/ميلادية.

وقد استمر الشيخ رحمه الله إماما وخطيبا في جامع ساحة حمد حتى هيّأ له الله جامع العادلية سنة/١٣٨٢/هجرية/١٩٦٣/ميلادية، وهكذا بعد أن قدّر الله تعالى للشيخ دراسة العلوم الشرعية وأوصله إلى الحقائق العرفانية هيّأ له الجامع الواسع جامع العادلية الذي قضى فيه أهمّ مراحل

- د -

حياته في الدعوة والتوجيه، فقام بتجديد الجامع حتى أصبح الجامع في أزهى حلّة وغدا مقصدا لطلاب العلم وأهل الطريق، وعمّر بمجالس العلم خلال أيام الأسبوع، وبمجلس للصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والذكر والموعظة بعد صلاة العشاء من يوم الخميس وبعد الظهر من كل يوم جمعة.

واتسعت شهرة الشيخ فأقبل الناس عليه بمختلف فئاتهم، وكان صدق الشيخ وإخلاصه، مع ما امتاز به من شخصية آسرة وصبر في الدعوة إلى الله تعالى، سببا في انجذاب أعداد كبيرة من طلاب العلم والتجار والأطباء والمهندسين وطلبة الجامعات، حتى أصبح الجامع منارة تشع بالعلم والنور، وانتشر التصوف بعد أن أخرجه الشيخ رحمه الله بأبهى حلة على قواعد العقيدة السليمة والشريعة السمحة والآداب المرضية عند أهل مقام الإحسان ثالث أركان الدين، حيث كان كتابه حقائق عن التصوف الذي أنجزه قبل استلامه جامع العادلية بسنتين فتحا مبينا لهذا العلم الذي أضحى كتاب الحقائق خير ما يعبّر عنه، بما حواه من أدلة واضحة من كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وبما تضمنه من أقوال ثقات العلماء، وبالمنهج العلمي الذي يمكن عن طريقه الوصول إلى حقائق هذا الركن الهام من أركان الدين.

وانتشرت طريقة الشيخ في جميع أنحاء سورية، فلا تكاد تجد مدينة أو قرية إل وللشيخ فيها أحبة ومريدون، بل جاوز ذلك إلى البلاد المجاورة كالأردن وتركيا ولبنان والعراق، وقد كان لكتاب الشيخ - الذي نقدم له - الدور الكبير في فهم حقائق التصوف حتى عمّ نفعه أكثر البلاد العربية، ووصل إلى الهند وباكستان، وعدد من الدول الأوربية والأمريكية وغيرها من دول العالم، مما يدل على باع الشيخ الطويل في المعرفة والتربية الإرشاد.

- هـ -

وقد كان لتردد الشيخ إلى البيت الحرام في أكثر الأعوام لأداء فريضة الحج، مع ما حباه الله من صبر في الدعوة، وقوة في الحال، وحسن تألف للناس، دور كبير في نقل الدعوة إلى مشاهير العلماء.

يعدّ الشيخ رحمه الله في طليعة المجددين للطرق الصوفية عامة؛ وللطريقة الشاذلية خاصة، يشهد لذلك كتابه الحقائق الذي طبع مرات عديدة وترجم إلى اللغة الإنكليزية والتركية، كما يشهد لعلو مقام الشيخ كثرة إخوانه على اختلاف فئاتهم من جميع طبقات الناس في كل بقاع الأرض، الذين يعتبرون بحق كتبا ناطقة عن الشيخ الذي لم يخلّف من الثروة العلمية إلا هذا الكتاب، وذلك بسبب واجبات الدعوة التي حملها على كاهله بدأب وثبات لنشر الطريق الصحيح القائم على الكتاب والسنة.

إن خلاصة منهاجه وما أراد نقله للناس قد أودعه وبيّنه في هذا الكتاب، الذي كان بحق فتحا في علم الشريعة والطريقة والحقيقة، فتلقّاه الناس بالقبول والانتفاع على مختلف طبقاتهم ومشاربهم، واستفاد منه خلق كثير.

كان للشيخ كرامات كثيرة وكشوفات واضحة؛ ولكنه كان يعرض عن ذكرها أو السماح لأحد بالتحدث عنها، ويحذّر إخوانه من الركون إلى الكشف والكرامة، ويقرر أن أعظم الكرامات الاستقامة على شرع الله عز وجل، ومن أعظم كرامات الشيخ قلب الشخصيات المنحرفة الضالة إلى شخصيات مثالية مستقيمة على الشرع، وكان يعرّف الطريقة فيقول: الطريقة هي العمل بالشريعة ، ويؤكد على تعريف الشيخ أحمد زرّوق رحمه الله للتصوف فيقول: التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف .

- و-

أكرم - رحمه الله تعالى - بمجاورة النبي المصطفى عليه الصلاة والسّلام في المدينة المنورة قرابة خمس سنوات، ثم أقام في الأردن بعمّان يدعو إلى الله تعالى كما هو شأن الصادقين حيثما حلّوا ونزلوا، فاستفاد منه خلق كثير من علمه وحاله ودعوته.

وفي سنة/١٤١٢/هجري الموافق/١٩٩١/ميلادي سافر إلى تركيا لزيارة إخوانه فاشتد عليه المرض هناك فأدخل المشفى في مدينة مرعش ثم نقل بعد ذلك إلى مدينة اسطنبول ودخل أحد مشافيها، وكان في مشفاه محل العجب من الأطباء والمختصين لما وجدو من صبره على شدة الألم، وهو يتحمل بجلد دونما شكوى، وقد استغرق بذكره وفكره مع الله تبارك وتعالى، وقد متّعه الله رغم مرضه الشديد بكامل وعيه وحضوره مع ربه حتى آخر أنفاسه؛ وقد أراد أحد أولاده أن يطمئن عن إدراكه بعد غيبوبة طويلة، وكان بينه وبين والده ملاطفة قديمة، فسأله عن بيت من الشعر كان قد سمعه منه رحمه الله ليتأكد من كامل وعيه، وبأن صمته ليس إلا استغراق المؤمن الصابر والعارف الراضي، فذكّره بهذ البيت من الشعر:

يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو. . . . . . . . . . .

ثم سكت وقال له: يا سيدي من فضلك أكمل لي هذا البيت. فالتفت إليه متوجه وقال:. . . . . . . ... والسهو من كلّ قلب غافل لاهي

قد غاب عن كل شيء سرّه فسها ... عمّا سوى الله فالتعظيم لله

وأعاد شطر البيت مرارا: والسهو من كل قلب غافل لاهي ثم دمعت عيناه رحمه الله وبكى ولم يكلّم أحدا بعدها.

- ز -

كان انتقاله رحمه الله إلى جوار ربه عشية يوم السبت الساعة السادسة مساء في ١٨/ربيع الآخر/١٤١٢ هجري، الموافق ٢٦/تشرين الأول /١٩٩١ ميلادي وكان مثواه الأخير بجوار الصحابي الجليل سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في اسطنبول، كم أشار أحد مريديه في مرثيّته بقوله:

وعلى أبي أيوب حلّ فقيدنا ... ضيفا فكان له المقام الأرفع

بجوار من نزل الحبيب بداره ... واختاره بالفضل ربّ مبدع

وله من الشهباء أصل ثابت ... وعلى ذرا استنبول مثوى يسطع

ذكراه إن ذكرت ذكاء فمشرق ... وسناه إن طلع الهلال فمطلع

وقد خسر المسلمون بفقده عالما عاملا، ومرشدا كاملا من أعلام الطريق والدعوة إلى الله تعالى، تغمده الله تعالى برحمته، وأعلى مقامه، وأسكنه فسيح جنّاته مع النبيين والصّديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اللهم احشرنا معه تحت لواء سيد المرسلين سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وصحبه أجمعين، وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.

***

- ح -

{رَبِّ أَوْزِعْنِيْ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِيْ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِيْ بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ} [النمل: ١٩].

اللهم احشرنا معه تحت لواء سيد المرسلين سيدنا محمد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

٢٣ شوال ١٤٢١

١٨/ ١/٢٠٠١

ورثة المؤلف



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!