موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أخلاقه وسيرته

فارا من ظلم الاستعمار الإفرنسي، الذي منع الشعب الجزائري من حضور حلقات العلماء وتوجيههم. وكانت هجرتهما في ٢٠ رمضان سنة ١٣٢٩ هـ عن طريق طنجة ومرسيليا، متوجهين إلى بلاد الشام. فمكثا في دمشق أياما قلائل، وعملت الحكومة التركية آنذاك على تفريق جميع المغاربة الجزائريين، وكان نصيبه رحمه الله تعالى أن ذهب إلى تركي وأقام في أضنة، وبقي شيخه ابن يلّس في دمشق. وعاد بعد سنتين إلى دمشق؛ فالتقى بشيخه ابن يلّس وصحبه ولازمه.

وفي بلاد الشام تابع أخذ العلم عن أكابر علمائها. ومن أشهرهم المحدّث الكبير بدر الدين الحسني، والشيخ أمين سويد، والشيخ جعفر الكتاني، والشيخ نجيب كيوان، والشيخ توفيق الأيوبي، والشيخ محمود العطار وأخذ عنه علم أصول الفقه، والشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافي وأخذ عنه الفقه المالكي، وقد أجازه أشياخه بالعلوم العقلية والنقلية.

أما من ناحية التصوف فقد أذن له شيخه محمد بن يلّس بالورد العام لما رأى من تفوقه على تلامذته، من حيث العلم والمعرفة والنصح لهم وخدمتهم. ولما قدم المرشد الكبير أحمد بن مصطفى العلوي من الجزائر لأداء فريضة الحج؛ نزل في دمشق بعد وفاة سيدي محمد بن يلّس سنة ١٣٥٠ هـ، وأذن له بالورد الخاص [تلقين الاسم الأعظم] والإرشاد العام.

أخلاقه وسيرته:

كان رحمه الله تعالى متخلقا بأخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم، متابعا له في جميع أقواله وأحواله وأخلاقه وأفعاله، فقد نال الوراثة الكاملة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وكان متواضعا حتى اشتهر بذلك ولم يسبقه أحد من رجال عصره في تواضعه.

وكان يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه. دخل عليه رجل فقبّل يد الشيخ رحمه الله تعالى؛ وأراد الشيخ أن يقبل يده، فامتنع الرجل عن ذلك وقال: أستغفر الله ي سيدي أنا لست أهلا لذلك، أنا أقبل رجلكم.

فقال الشيخ رحمه الله تعالى: إذا قبّلت رجلنا فنحن نقبل رجلكم.

وكان يحب أن يخدم إخوانه بنفسه، فيأتي الزائر، ويأتي التلميذ فيبيت عنده فيقدّم له الطعام، ويحمل له الفراش مع ضعف جسمه. وكم جئناه في منتصف الليل، وطرقن بابه، فيفتح الباب وهو بثيابه التي يقابل بها الناس، كأنه جندي مستعد. فما رأيناه في ثوب نوم أبدا.

وكان حليما لا يغضب إلا لله. حدث أن جاءه رجل من دمشق إلى بيته وأخذ يتهجم عليه، ويتهكم به، ويتكلم بكلمات يقشعر لها جلد المسلم؛ ولكن الشيخ رضي الله عنه لم يزد على قوله له: الله يجزيك الخير، إنك تبين عيوبنا، وسوف نترك ذلك ونتحلى بالأخلاق الفاضلة. وما أن طال المقام بالرجل إلا وأقبل على الشيخ، يقبل قدميه ويديه، ويطلب منه المعذرة.

وكان كريما لا يرد سائلا. وكم رأينا أشخاصا يأتون إليه فيعطيهم ويكرمهم، ولا سيما في مواسم الخير؛ حيث يأتي الناس لبيته، وترى موائد الطعام يأتيها الناس أفواجا أفواجا يأكلون منها، ولا تزال ابتسامته في وجهه، وقد بلغ من كرمه أنه بنى داره التي في حي المهاجرين بدمشق قسمين: قسم لأهله، وقسم لتلاميذه ومريديه.

وكان من صفاته رضي الله عنه واسع الصدر وتحمل المشقة والتوجيه، وشدة الصبر مع بشاشة الوجه؛ حتى إني استغربت مرة صبره

فقال لي: يا سيدي! مشربنا هذا جمالي. وكان يأتي إليه الرجل العاصي فلا يرى إلا البشاشة من وجهه وسعة الصدر، وكم تاب على يديه عصاة منحرفون، فانقلبوا بفضل صحبته مؤمنين عارفين بالله تعالى.

حدث أنه كان سائرا في الطريق بعد انتهاء الدرس، فمر به سكران؛ فما كان من الشيخ رحمه الله تعالى إلا أن أزال الغبار عن وجهه، ودعا له ونصحه، وفي اليوم الثاني كان ذلك السكران أول رجل يحضر درس الشيخ، وتاب بعد ذلك وحسنت توبته.

وكان رحمه الله تعالى يهتم بأحوال المسلمين ويتألم لما يصيبهم، وكان يحضر جمعية العلماء التي تقام في الجامع الأموي، يبحث في أمور المسلمين ويحذّر من تفرقتهم، وقد طبع رسالة تبين سبب التفرقة وضررها، وفائدة الاجتماع على الله والاعتصام بحبل الله سماها: القول الفصل القويم في بيان المراد من وصية الحكيم.

وكان رحمه الله تعالى يكره الاستعمار بكل أساليبه، ويبحث في توجيهه عن مدى صلة الحوادث مع الاستعمار وكيفية الخلاص من ذلك. ولما ندبت الحكومة الشعب إلى التدرّب على الرماية، ونظّمت المقاومة الشعبية، سارع الشيخ لتسجيل اسمه بالمقاومة الشعبية، فكان يتدرب على أنواع الأسلحة مع ضعف جسمه ونحوله وكبر سنه. وبهذا ضرب للشعب المثل الأعلى لقوة الإيمان والعقيدة والجهاد في سبيل الله، وذكّرنا بمن قبله من المرشدين الكمّل الذين جاهدوا الاستعمار وحاربوه؛ أمثال عمر المختار والسنوسي وعبد القادر الجزائري. وما المجاهدون الذين قاموا في المغرب، لإخراج الاستعمار وأذنابهم إلا الصوفية.

وكان رحمه الله تعالى حسن السيرة والمعاملة، مما جعل الناس،



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!