موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


3 - كلمة التوحيد

استحضار عظمته صلّى الله عليه وسلّم، وتذكّر صفاته وشمائله، والتعلق بجنابه الرفيع، محبة وتشوقا.

وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله: {إِنَّ الله ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُو تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦].

وكذلك رغّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكثرة الصلاة والسّلام عليه فقال: من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشرا (١).

وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من صلى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات وحطّت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات (٢).

وقال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة (٣).

٣ - كلمة التوحيد: بصيغة: [لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير] مئة مرة، أو [لا إله إلا الله] فقط مائة مرة. مع التفكير بأنه لا خالق ولا رازق ولا نافع ولا ضار ولا قابض ولا باسط .. إلا الله وحده، مع محاولة محو ما يسيطر على القلب، من حبّ الدنيا والأهواء والشهوات والوساوس والشواغل والعلائق والعوائق الكثيرة حتى يكون القلب لله وحده لا لسواه.

ولهذا دعانا الله تعالى إلى هذا التوحيد الخالص فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الله} [محمد: ١٩].

__________

(١) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، والنسائي في كتاب الافتتاح.

(٢) أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح.

(٣) رواه الترمذي في كتاب أبواب الصلاة وقال: حديث حسن.

وكذلك رغبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الإكثار من ترداد كلمة التوحيد، وبين أفضليتها ومثوبتها؛ فقال: أفضل الذكر لا إله إلا الله (١).

يقول العلامة ابن علان في شرح هذا الحديث: إنها [أي لا إله إلا الله] تؤثر تأثيرا بيّنا في تطهير القلب عن كل وصف ذميم راسخ في باطن الذاكر، وسببه أن لا إله نفي لجميع أفراد الآلهة، وإلا الله إثبات للواحد الحق الواجب لذاته المنزه عن كل م لا يليق بجلاله، فبإدمان الذكر لهذه ينعكس الذكر من لسان الذاكر إلى باطنه، حتى يتمكن فيه؛ فيضيئه ويصلحه، ثم يضيء ويصلح سائر الجوارح، ولذا أمر المريد وغيره بإكثارها والدوام عليها (٢).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله (٣).

وقال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه (٤).

__________

(١) رواه الترمذي في كتاب الدعوات وقال: حديث حسن.

(٢) الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية للعلامة ابن علان الصديقي ج ١/ص ٢١٣.

(٣) رواه الإمام أحمد في مسنده ج ٢/ص ٣٥٩.

(٤) رواه البخاري في كتاب الدعوات، ومسلم في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات.

مع الملاحظة أن هذا الورد يكون في الصباح والمساء في جلسة يخلو فيها العبد بربه، وبذلك يكون قد افتتح نهاره بذكر الله تعالى وختمه بذكره وطاعته؛ لعله يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {والذّاكِرِينَ الله كَثِيرًا واَلذّاكِراتِ أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٣٥].

وهكذا تلقينا عن شيخنا سيدي محمد الهاشمي رحمه الله تعالى كما تلقاه هو أيضا عن شيخه ...

ولا ينبغي للسالك في طريق أهل الله أن يكون ورده مقصورا على العدد المذكور، بل ينبغي له أن يزيد ذكره لله تعالى، لأن قلب السالك في ابتداء سيره كالطفل الصغير، فكما أن الطفل كلما كبر زيدت له كمية الغذاء، كذلك كلما كبر المريد في سيره إلى الله تعالى زاد ذكره لله، لأن الذكر غذاء لقلبه وحياة له.

ولما كان الورد سبيل السالكين إلى الله تعالى قعد الشيطان في طريقهم، يصدهم عن ذكر الله تعالى بحجج شتى، ومغالطات خفية، وتلبيسات منوعة، فقد يترك بعض المريدين قراءة أورادهم محتجين بكثرة أعمالهم وعدم فراغهم لها، ويوحي إليهم شيطانهم أن هذا عذر مشروع، ومبرر مقبول، وأنه لا بأس بتأجيل الأوراد لوقت الفراغ.

ولكن السادة الصوفية حذروا السالكين من الإهمال والتسويف وانتظار الفراغ، لأن العمر سرعان ما ينتهي، والمشاغل لا تزال في تجدد.

قال ابن عطاء الله في حكمه: (إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونة النفس).

وقال الشارح ابن عجيبة: فالواجب على الإنسان أن يقطع علائقه

وعوائقه، ويخالف هواه، ويبادر إلى خدمة مولاه، ولا ينتظر وقتا آخر، إذ الفقير [الصوفي] ابن وقته) (١).

وقد يزين الشيطان لبعض السالكين أن يتركوا الذكر بحجة أن ذكرهم لا يسلم من الوساوس، والذكر لا يفيد إلا إذا كان الذاكر حاضر القلب مع الله تعالى.

ولكن مرشدي السادة الصوفية حذروا مريديهم من هذا المدخل الشيطاني الخطير، فقال ابن عطاء الله السكندري: (لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع حضور يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز) (٢).

وقد يترك بعض السالكين أورادهم اكتفاء بالوارد، وما علموا أن الورد مطلوب منهم للتقرب الله تعالى، وأن السادة الصوفية لم يتركوا أورادهم مهما بلغوا من مراتب الكمال.

قال أبو الحسن الدراج رحمه الله: (ذكر الجنيد أهل المعرفة بالله، وم يراعونه من الأوراد والعبادات بعد ما أتحفهم الله به من الكرامات، فقال الجنيد رضي الله عنه: العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رؤوس الملوك. وقد رأى رجل الجنيد رضي الله عنه وفي يده سبحة، فقال له: أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة؟! فقال: نعم، سبب وصّلنا إلى ما وصلنا فلا نتركه أبدا) (٣).

__________

(١) إيقاظ الهمم في شرح الحكم ج ١/ص ٤٩.

(٢) إيقاظ الهمم ج ١/ص ٧٩.

(٣) إيقاظ الهمم ج ١/ص ١٦٢. وراجع هذا الخبر في ص ١٨٤.

قال ابن عطاء الله: (لا يستحقر الورد إلا جهول، الوارد يوجد في الدار الآخرة، والورد ينطوي بانطواء هذه الدار وأولى ما يعتنى به ما لا يخلف وجوده، الورد هو طالبه منك والورد أنت تطلبه منه، وأين ما هو طالبه منك مما هو مطلبك منه) (١).

وأخيرا فإن المريد إذا ترك ورده لسبب من الأسباب السابقة، ثم عاد إلى يقظته والتزام عهده؛ فلا ينبغي أن يقنط من رحمة الله نتيجة تقصيره وإهماله، بل عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ثم يقضي ما فاته من أوراد، إذ الأوراد تقضى كسائر العبادات والطاعات.

قال الإمام النووي: (ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقيب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتدراكها، ويأتي بها إذا تمكن منها، ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها، وقد ثبت في صحيح مسلم (٢) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل (٣).

***

__________

(١) إيقاظ الهمم ج ١/ص ١٦٠.

(٢) كتاب صلاة المسافرين وقصرها.

(٣) الأذكار للنووي ص ١٣.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!