موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الفيروز أبادي صاحب القاموس

مناجاته، وخصوصا عند ما تنطلق، وتتحرر من قيود المادة، وتسبح في عوالم الملكوت؛ إذ الخلوة تروض النفس على الإذعان لبارئها والأنس بربها.

ألا ترى الطير البازي كيف كان نفاره من الآدميين في الجبال الشامخات، ثم حين يصاد ويلقى في البيت، وتخاط عيناه حتى ينقطع عن الطيران، ويربى باللحم، ويرفق به، حتى يأنس بصاحبه، ويألفه إلفا؛ إذا دعاه فسمع صوته أجابه، حتى إذا أرسله وحثّه على الطيران طار، فصاد وأمسك صيده، تحريا لموافقة مولاه، ثم إن دعاه من الطيران رجع، وآثر هوى صاحبه على هوى نفسه.

أ فلا يحق على مؤمن أبصر هذا أن يموت كمدا وعبرة وأسفا على فوت هذا من نفسه، أن يكون طيره أسمع له وأطوع، وأشد تحريا لموافقته وألزم لنصيحته من العبد المؤمن لربه.

والخلوة تريح القلب والفكر والعقل من الشواغل الدنيوية المتعاقبة، وهمومه المتلاحقة، وعند ذلك يذوق العبد طعم الإيمان، ويستنشق نسيم السعادة والطمأنينة. وإليك بعض أقوال السادة العلماء في ذلك:

الفيروز أبادي صاحب القاموس:

قال العلامة الكبير الفيروز أبادي رحمه الله تعالى صاحب القاموس في ذكر حال حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نزول الوحي: (ولما قربت أيام الوحي أحب الخلوة والانفراد، فكان يتخلى في جبل حراء، وهو على ثلاثة أميال من الكعبة، وبه غار صغير طوله أربعة أذرع وعرضه ذراع وثلث في بعض المواضع، وفي بعضها أقل، واختار محل الخلوة هناك.

وللعلماء في عبادته في خلوته قولان: قال بعضهم: كانت عبادته بالفكر. وقال بعضهم: بالذكر. وهذا القول هو الصحيح، ولا تعريج على الأول ولا التفات إليه؛ لأن خلوة طلاب طريق الحق على أنواع:

الأول: أن تكون خلوتهم لطلب مزيد علم الحق من الحق لا بطريق النظر والفكر، وهذا غاية مقاصد أهل الحق، لأن من خاطب في خلوته كونا من الأكوان، أو فكّر فيه فليس هو في خلوة. قال شخص من طلاب الطريق لبعض الأكابر: اذكرني عند ربك في خلوتك. قال: إذا ذكرتك فلست معه في خلوة. ومن ثمّ يعلم سر أنا جليس من ذكرني . وشرط هذه الخلوة أن يذكر بنفسه وروحه، لا بنفسه ولسانه.

الثاني: أن تكون خلوتهم لصفاء الفكر لكي يصح نظرهم في طلب المعلومات، وهذه الخلوة لقوم يطلبون العلم من ميزان العقل، وذلك الميزان في غاية اللطافة، وهو بأدنى هوى يخرج عن الاستقامة، وطلاب طريق الحق لا يدخلون في مثل هذه الخلوة، بل تكون خلوتهم للذكر، وليس للفكر عليهم قدرة ولا سلطان، ومهما وجد الفكر إلى صاحب الخلوة فينبغي أن يعلم أنه ليس من أهل الخلوة، ويخرج من الخلوة ويعلم أنه ليس من أهل العلم الصحيح الإلهي، إذ لو كان من أهل ذلك لحالت العناية الإلهية بينه وبين دوران رأسه بالفكر.

الثالث: خلوة يفعلها جماعة لدفع الوحشة من مخالطة غير الجنس، والاشتغال بما لا يعني، فإنهم إذا رأوا الخلق انقبضوا، فلذلك اختاروا الخلوة.

الرابع: خلوة لطلب زيادة لذة توجد في الخلوة.

وخلوة حضرة صاحب الرسالة من القسم الأول، وكان بعيدا جدا من جميع المخالطات حتى الأهل والمال وذات اليد، واستغرق في بحر



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!