موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(307) المكتوب السابع والثلاثمائة إلى مولانا عبد الواحد اللاهوري في بيان معنى الكلمة الطيبة سبحان الله وبحمده وما يناسب ذلك

 

 


قرب النّبوّة لا حاجة في زوال التّعلّق بالأشياء إلى نسيان الأشياء أصلا فإنّ في قرب النّبوّة لا يبقى التّعلّق بالأصل الّذي هو حسن وجميل في حدّ ذاته اسما ولا رسما عن التّعلّق بالأشياء الّتي هي قبيحة لا حسن فيها في نفسها سواء نسيت الأشياء أو لا فإنّ صفة الذّمّ إنّما عرضت للعلم بالأشياء بواسطة قبح التّعلّق بها لكونه مستلزما للإعراض عن جناب قدسه تعالى فإذا زال التّعلّق بالأشياء زالت صفة الذّم عن العلم بها فلم يبق مذموما وكيف يكون العلم بالأشياء مذموما فإنّ الأشياء كلّها معلومات الحقّ جلّ سلطانه وعلمه بها من صفاته الكاملة.

فإن قيل: إذا لم يكن العلم بما دون الحقّ جلّ وعلا زائلا فكيف يجتمع العلم بالحقّ تعالى مع العلم بما سواه سبحانه في وقت واحد فلا مندوحة إذا من نسيان ما سواه تعالى؟

قلت: انّ العلم المتعلّق بالأشياء من قبيل العلم الحصوليّ والعلم المتعلّق بحضرة الحقّ سبحانه وتعالى مشابه بالعلم الحضوريّ فكلا العلمين يجتمعان في وقت واحد ولا يلزم منه محذور أصلا وإنّما يلزم المحذور إذا كان كلا العلمين حصوليّين. (وإنّما) قلنا من قبيل العلم الحصوليّ ومشابه بالعلم الحضوريّ فإنّه ليس هناك حقيقة الحصول ولا مجال للحضور وعلمه تعالى المتعلّق بالأشياء ليس حصوليّا فإنّه لا حلول للحوادث في ذاته تعالى وصفاته ولا حصول وعلم مثل هذا العارف ظلّ من ذلك العلم والعلم المتعلّق بحضرة الحقّ سبحانه لا يمكن أن يقال إنّه حضوريّ فإنّه تعالى أقرب إلى المدركة من نفس المدركة أيضا والعلم الحضوريّ بالنّسبة إلى ذلك العلم كالعلم الحصوليّ بالنّسبة إلى العلم الحضوريّ وهذه المعرفة وراء طور العقل والفكر من لم يذق لم يدر فتقرّر أنّ العلم بالأشياء ليس بمناف للعلم بالحقّ فلا يكون نسيان الأشياء لازما أصلا بخلاف طريق الولاية فإنّ زوال علاقة الأشياء هناك غير متصوّر بدون نسيان الأشياء فإنّ في الولاية تعلّقا بالظّلال وليس في ذلك التّعلّق قدرة إزالة التّعلّق قدرة إزالةالتّعلّق بالأشياء مع وجود العلم بها فلا بدّ فيها أوّلا من نسيان الأشياء حتّى تزول التّعلّقات بها وهذه معرفة مخصوصة بهذا الدّرويش لم يتكلّم بها أحد، الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ.

(٣٠٧) المكتوب السّابع والثّلاثمائة إلى مولانا عبد الواحد اللّاهوريّ في بيان معنى الكلمة الطّيّبة سبحان الله وبحمده وما يناسب ذلك

بسم الله الرّحمن الرّحيم بعد الحمد والصّلاة ينبغي أن يعلم أنّ ما يجده العابد وقت العبادة من الحسن والكمال في عبادته كلّ ذلك راجع إلى توفيق الله جلّ سلطانه ومن حسن تربيته وإحسانه تعالى وما يجده من النّقصان والقصور في العبادة كلّ ذلك عائد إلى نفس العابد ناش من خبثها الجبليّ ولا شيء

منها راجع إلى جناب قدسه تعالى أصلا بل هناك محض الخير والكمال وكذلك كلّما يقع في العالم حسنه وكماله راجع إلى جناب قدسه تعالى وشرّه، ونقصه عائد إلى دائرة الممكنات الّتي لها قدم راسخ في العدم الّذي هو منشأ جميع الشّرّ والنّقص، والكلمة الطّيّبة سبحان الله وبحمده مبيّنة لهذين الأمرين بأبلغ الوجوه ومنزّهة له سبحانه ومقدّسة إيّاه تعالى عمّا لا يليق بجناب قدسه تعالى من الشّرور والنّقائص كمال التّنزيه والتّقديس وبعبارة الحمد الواقعة فيها يؤدّي الشّكر على صفاته الحميدة وأفعاله الجميلة وعلى إنعاماته العديدة وإحساناته الجزيلة لكونه رأس كلّ شكر ولهذا ورد في الحديث (١) النّبويّ: انّ من قال هذه الكلمة الطّيّبة في يوم أو ليلة مائة مرّة لا يساويه أحد في العمل في ذلك اليوم أو اللّيلة الّا من قال هذه الكلمة الطّيّبة مثله وكيف يساويه فإنّ كلّ عمل وعبادة أداء شكر من شكره تعالى وقد أدّى بجزء واحد من هذه الكلمة وبقي الجزء الأخير منها الّذي هو لبيان تنزيهه وتقديسه سبحانه زائدا عليه فعليكم بإتيان هذه الكلمة كلّ يوم وليلة مائة مرّة والله سبحانه الموفّق.

فإن قيل: قد ورد في الحديث النّبويّ صلّى الله عليه وسلّم سبحان الله (٢) وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. وورد أيضا سبحان الله (٣) ملء الميزان. وورد أيضا أضعاف ما حمده جميع خلقه ولم يقل القائل غير مرّة واحدة ولم يقع العدد غير فرد واحد فبأيّ اعتبار يقال عدد خلقه وما يكون معنى رضاء نفسه وكيف يكون زنة عرشه وكيف يصحّ أن يقال مداد كلماته وكيف يملأ به الميزان وبأيّ معنى يقال إنّه أضعاف ما حمده جميع خلقه؟ (قلت): إنّ الإنسان جامع عالم الخلق وعالم الأمر وكلّما هو في عالم الخلق والأمر فهو في الإنسان مع شيء زائد عليه وهو هيئته الوحدانيّة الّتي نشأت من تركّب الخلق والأمر وهذه الهيئة الوحدانيّة لم تتيسّر لشيء غيره وهي أعجوبة غريبة وأنموذجة بديعة فالحمد الّذي يقع من الإنسان يكون أضعاف حمد جميع الخلائق وعلى هذا القياس سائر الأسئلة فينبغي أن يكون المراد بجميع الخلق ما سوى الإنسان ولئن أدخلنا فيه الإنسان أيضا نقول انّ الانسان الكامل كما انّه يجد جميع أفراد العالم اجزاء نفسه كذلك يجد أفراد الانسان أيضا أجزاء نفسه ويرى نفسه كلّا للكلّ فعلى هذا التّقدير يجد حمد نفسه أضعاف حمد نفسه وأضعاف حمد جميع أفراد الإنسان أيضا.

وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٤) والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصّلوات وأكمل التّحيّات.

__________

(١) رواه الشيخان عن ابى هريرة رضى الله عنه

(٢) رواه مسلم عن جويرية رضى الله عنها. (القزاني رحمة الله عليه)

(٣) اخرجه الديلمى عن على كرم الله وجهه مرفوعا من سره ان يناله في عمره وينصر على عدوه ويوسع عليه في رزقه ويوقى منية السوء فليقل حين يمسى وحين يصبح ثلاث مرات سبحان الله ملأ الميزان ومنتهى العلم الحديث .. (القزاني رحمة الله عليه)

(٤) الآية: ٤٧ من سورة طه.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!