موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(310) المكتوب العاشر والثلاثمائة إلى مولانا محمد هاشم في بيان جامعية الإنسان مع بعض الأسرار الغامضة المتعلقة بهذا المقام وما يناسب ذلك

 

 


بعد الحمد والصّلوات وتبليغ الدّعوات أنهيكم أنّ جماعة من المشائخ الكرام قدّس الله تعالى أسرارهم اختاروا طريق المحاسبة وكانوا في كلّ ليلة يطالعون قبيل النّوم دفتر أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم اليوميّة ويدركون حقيقة كلّ منها بالتّفصيل ويتداركون تقصيراتهم وسيّئاتهم بالتّوبة والإستغفار والإلتجاء والتّضرّع إلى العزيز الغفّار ويشتغلون بحمد الله تعالى وشكره على أعمالهم الصّالحة ويرجعون بها إلى توفيقه تعالى. كان صاحب الفتوحات المكّيّة قدّس سرّه من المحاسبين وقال: أنا زدت في محاسبتي على مشائخ اخر حتّى حاسبت خطراتي ونيّاتي وللتّسبيح والتّحميد والتّكبير (١) مائة مرّة قبيل النّوم على نهج ثبت عن المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام حكم المحاسبة عند الفقير وكان المسبّح يعتذر من تقصيراته وسيّئاته بتكرار كلمة التّسبيح الّتي هي مفتاح التّوبة وينزّه جانب قدسه تعالى ويقدّسه عمّا عاد إليه من ارتكابه السّيّئات فإنّ مرتكب السّيّئات إذا كان عظمة جانب قدس الآمر والنّاهي وكبريائه ملحوظة ومنظورة إليه ما كان يبادر إلى ترك امتثال أمره تعالى ولمّا بادر علم أنّه لا اعتداد ولا اعتبار عنده لامره ونهيه تعالى أعاذنا الله سبحانه من ذلك فبتكرار كلمة التّنزيه يتلافي هذا التّقصير (ينبغي) أن يعلم أنّ في الإستغفار طلب ستر الذّنب وفي تكرار كلمة التّنزيه طلب استيصال الذّنب أين هذا من ذاك سبحان الله كلمة عجيبة ألفاظها في غاية القلّة ومعانيها ومنافعها في غاية الكثرة وبتكرار كلمة التّحميد يؤدّى شكر نعمة توفيقه وسائر نعمه تعالى وتكرار كلمة التّكبير إشارة إلى أنّ جناب قدسه تعالى أعلى وأجلّ من أن يكون هذا الإعتذار والشّكر لائقا بحضرته سبحانه فإنّ اعتذار العبد واستغفاره محتاج إلى اعتذارات واستغفارات كثيرة وحمده راجع إليه سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.

المحاسبون يكتفون بالإستغفار والشّكر وبهذه الكلمات القدسيّة يحصل امر الاستغفار ويؤدّى الشّكر ويتيسّر الايماء إلى نقص الاستغفار والشّكر ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه الطّاهرين وسلّم وبارك عليه وعليهم أجمعين.

(٣١٠) المكتوب العاشر والثّلاثمائة إلى مولانا محمّد هاشم في بيان جامعيّة الإنسان مع بعض الأسرار الغامضة المتعلّقة بهذا المقام وما يناسب ذلك

بعد الحمد والصّلوات ليعلم أنّ جميع ما في الإنسان من الكمالات مستفادة من مرتبة الوجوب تعالت وتقدّست فإن علما فمستفاد من علم تلك المرتبة وإن قدرة فمأخوذة من قدرة تلك المرتبة وعلى

__________

(١) اخرج الترمذي عن ابن عم رضى الله عنهما خلتان لا يحصيهما الحديث وفيه واذا اخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة واخرج مسلم عن على كرم الله وجهه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولفاطمة رضى الله عنهما اذا آويتما إلى فراشكما او اذا اخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثا وثلاثين الحديث منه (القزاني رحمة الله عليه)

هذا القياس. وأمّا كمال كلّ مرتبة فعلى مقدار تلك المرتبة فحكم علم الإنسان في جنب علم الواجب كحكم الميّت الّذي هو لا شيء محض بالنّسبة إلى حيّ بحياة أبديّة وكذلك قدرة العبد في جنب قدرة الواجب تعالى وتقدّس لها حكم قدرة العنكبوت الّذي ينسج بيته بالنّسبة إلى قدرة شخص تصير السّموات والأرضون والجبال والبحار دكّا دكّا وهباء منثورا بنفخته الواحدة ينبغي أن يقيس الكمالات الاخر على ذلك وهذا التّفاوت إنّما يقال من ضيق العبارة والّا فما النّسبة بينهما (ع) ما نسبة الفرشيّ بالعرشيّ * فصارت كمالات الإنسان في صورة كمالات مرتبة الوجوب تعالت وتقدّست ولم يحصل لهذه الكمالات من كمالات تلك المرتبة غير المشاركة في الإسم ومن ههنا ورد أنّ الله خلق آدم على صورته ومعنى من عرف نفسه فقد عرف ربّه يلوح من هذا البيان فإنّ جميع ما في نفس الإنسان وإن كان صورة هو الّذي حقيقته حاصلة في مرتبة الوجوب تعالت وتقدّست. ومن ههنا يعرف سرّ خلافة الإنسان فإنّ صورة الشّيء خليفة الشّيء وفي هذا المقام ظنّت الزّنادقة والمجسّمة أنّ الله عزّ وجلّ في صورة الإنسان وأثبتوا القوى والجوارح الإنسانيّة في حضرته جلّ سلطانه من عدم العقل ضلّوا فأضلّوا ولم يعلموا أنّ إطلاق الصّورة وأمثالها في تلك الحضرة من قبيل التّشبيه والتّمثيل لا على سبيل التّحقيق والتّثبيت فإنّ حقيقة الصّورة تقتضي التّبعّض والتّركّب والتّجزّي وكلّ ذلك مناف للوجوب ومانع للقدم. والمتشابهات القرآنيّة أيضا مصروفات عن الظّواهر ومحمولات على التّأويل قال الله تعالى (وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا الله) يعني لا يعلم تأويل المتشابه الّا الله فعلم من هذا أنّ المتشابه محمول على التّأويل عند الله تعالى أيضا ومصروف عن الظّاهر وأنّه تعالى يعطي العلماء الرّاسخين أيضا نصيبا من علم هذا التّأويل كما أنّه سبحانه يطلع خواصّ رسله على علم الغيب الّذى هو مخصوص به تعالى وايّاك والتّخيّل انّ هذا التّأويل كتأويل اليد بالقدرة والوجه بالذّات حاشا وكلّا بل إنّ هذا التّأويل من الأسرار الّتي يمنح الله علمها أخصّ الخواصّ.

وينبغي أن يعلم أنّ صاحب الفتوحات المكّيّة واتباعه يقولون إنّ صفات الواجب تعالى وتقدّس كما أنّها عين الذّات كذلك بعضها عين البعض الآخر مثلا العلم كما أنّه عين الذّات كذلك هو عين القدرة وعين الإرادة وعين السّمع وعين البصر وعلى هذا القياس سائر الصّفات وهذا الكلام عند الفقير بعيد عن الصّواب فإنّ هذا الكلام مبنيّ على نفي وجود الصّفات الزّائدة وهو خلاف مذهب أهل السّنّة والجماعة فإنّ الصّفات الثّمان أو السّبع على وفق آراء هؤلاء الأكابر موجودة في الخارج ولعلّ توهّم عينيّة الذّات والصّفات الواجبيّة نشأ فيهم من تخيّلهم تغاير ما في ذاك الموطن وتباينه كتغاير ما في هذا الموطن وتباينه ولمّا لم يجدوا في ذاك الموطن تغايرا وتباينا كتغاير هذا الموطن وتباينه الّذى هى بين ذواتنا وصفاتنا ولم يروا هناك تمايزا مشابها لتمايز هذا الموطن لا جرم حكموا بنفي التّغاير والتّمايز وقالوا بعينيّة بعضها بعضا ولم يدروا أنّ تمايز ذلك الموطن وتغايره مثل ذات الواجب وصفاته تعالى لا كيفيّ ولا مثليّ ولا مناسبة بين ذاك التّمايز وبين هذا التّمايز الّا بحسب الصّورة والإسم فيكون التّمايز والتّباين متحقّقا في ذلك



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!