موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(1) المكتوب الأول إلى الشيخ عبد العزيز الجونفوري في بيان تحرير مذهب الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره في مسألة وحدة الوجود وما هو مختار حضرة شيخنا سلمه الله تعالى فيها

 

 


(١) المكتوب الأوّل إلى الشّيخ عبد العزيز الجونفوريّ في بيان تحرير مذهب الشّيخ محيي الدين بن العربيّ (١) قدّس سرّه في مسألة وحدة الوجود وما هو مختار حضرة شيخنا سلّمه الله تعالى فيها

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي جعل الإمكان مرآة للوجوب وصيّر العدم مظهرا للوجود والوجوب والوجود وإن كانا صفتي كماله سبحانه فهو تعالى وراء جميع الاسماء والصّفات ووراء الشّئون والاعتبارات ووراء الظّهور والبطون ووراء البروز والكمون ووراء التّجليّات (٢) والظّهورات ووراء المشاهدات (٣) والمكاشفات (٤) ووراء كلّ محسوس ومعقول ووراء كلّ موهوم ومتخيّل فهو سبحانه وتعالى وراء الوراء ثمّ وراء الوراء ثمّ وراء الوراء. (شعر)

__________

(١) محيي الدين ابن عربي: الشيخ الأكبر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي المرسي المعروف بابن عربي حكيم صوفي متكلم فقيه مفسر أديب شاعر مشارك في علوم أخرى ولد في مرسية بالأندلس في رمضان وانتقل إلى إشبيلية وسمع من ابن بشكوال ورحل إلى مصر والحجاز وبغداد والموصل وبلاد الروم أنكر عليه أهل مصر آراءه؛ فعمل بعضهم على إراقة دمه وحبس فسعى في خلاصه علي بن الفتح البجائي فنجا واستقر بدمشق وتوفي بها في ٢٢ ربيع الآخر سنة [٦٣٨ هـ - ١٢٤٠ م] ودفن بسفح قاسيون

(٢) التجلي: ما يظهر للقلوب من أنوار الغيوب. (معجم مصطلحات الصوفية للكاشاني ص ١٧٣)

(٣) المشاهدة: لغة: المعاينة (لسان العرب / شهد) أما في اصطلاح الصوفية؛ فقد عرفها ابن عربي بأنها: رؤية الأشياء بدلائل التوحيد وعرفها الكاشاني بأنها شهود الذات بارتفاع الحجاب مطلقا. وذكر بأن صورته في البدايات: إعتقاد حضور الحق بذاته لكل شيء والإيمان بذلك؛ لقوله تعالى: «أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " وفي المعاملات: إيقلن كون الأعمال كلها لوجه الله وفي الأخلاق: تيقن أن الكمالات الخلقية كلها لله وفي الأصول: تحقيق أن سيره كله ليس إلا إلى الله وفي الله وبالله ووجهه مسلم لله إلى الله.، وفي الأودية: إدراك الحق بنور البصيرة المكحلة بنوره وفي الأحوال: شهود تجليات أنوار الجمال وخلوص الحب للجميل وفي الولايات: كشف سبحات الجلال عن جمال الذات. انظر: ابن عربي: اصطلاحات الصوفية: ٢٩١. الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٤٧.

(٤) المكاشفة لغة: مصدر كاشف والأصل فيها الكشف وهو: رفع الشيء عما يواريه ويغطيه يقال: كشف فلان الأمر يكشفه كشفا: أي أظهره انظر: ابن منظور: لسان العرب: كشف. والمراد بالمكاشفة عند الصوفية: شهود الأعيان وما فيها من الأحوال في عين الحق؛ فهو التحقيق الصحيح بمطالعة تجليات الأسماء الإلهية. وذكر الكاشاني: أن صورتها في البدايات: الإيمان بحقائق الأسماء الإلهية وفي الأبواب: إنفعال القو النفسانية عن معاني الأسماء الإلهية وفي المعاملات: التهدي للعمل بمقتضاها، وإجابة دواعيها. وفي الأخلاق: الوقوف على كيفية التخلق بالأخلاق الإلهية. وفي الأصول: الشعور بأنوار التجليات الإلهية الباعثة على السلوك المطلقة على شهود التجليات الأسمائية. وفي الأحوال: تلألؤ لأنوار الوجود الأسمائية المهيجة للمحبة الصادقة الجاذبة للسالك إلى حضرة العندية. وفي الولايات: إنكشاف الحجب بصفاء صفات السالك فيها. . انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٤٦

وما أبديك من طيري علامه ... وأضحى مثل عنقاء وهامه

وللعنقاء بين النّاس إسم ... وليست لاسم طيري استدامه

فلا يصل حمد حامد إلى جناب قدس ذاته بل منتهى جميع الحامدين سرادقات عزّته فهو الذي أثني على نفسه وحمد ذاته بذاته فهو سبحانه الحامد والمحمود وما سواه عاجز عن أداء الحمد المقصود وقد عجز عن حمده سبحانه من هو حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم ومن دونه وهو أفضل البرايا وأكملهم ظهورا وأقربهم منزلة وأجمعهم كمالا وأشملهم جمالا وأتمّهم بدرا وأرفعهم قدرا وأعظمهم أبهة وشرفا وأقومهم دينا وأعدلهم ملّة وأكرمهم حسبا وأشرفهم نسبا وأعرفهم بيتا لولاه لما خلق الله سبحانه الخلق ولما أظهر الرّبوبيّة وكان نبيّا وآدم بين الماء والطّين وإذا كان يوم القيامة كان هو إمام النّبيّين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم الذي قال: «نحن الآخرون ونحن السّابقون يوم القيامة وإنّي قائل قولا غير فخر وأنا حبيب الله وأنا خاتم النّبيّين ولا فخر وأنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا نصتوا وأنا مستشفعهم إذا حبسوا وأنا مبشّرهم إذا يئسوا والمفاتيح يومئذ بيديّ» (١).

(شعر)

در قافله كه اوست دانم نرسم ... اين بسكه رسد ز دور بانك جرسم

ترجمة:

كيف اللّحاق بركب وهو قائدهم ... يا نعم أن جاء من بعد صدا جرسه

صلوات الله سبحانه وتسليماته تعالى وتحيّاته عزّ شأنه وبركاته جلّ برهانه عليه وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين والملائكة المقرّبين وعلى أهل الطاعة أجمعين صلاة وسلاما وتحيّة وبركة هو لها أهل وهم لها أهل كلّما ذكره الذاكرون وكلّما غفل عن ذكره الغافلون وبعد الحمد والصّلوات وتبليغ الدعوات وإرسال التّحيّات (ليعلم) أنّ الصّحيفة الشّريفة المرسلة إلى هذا الفقير (٢) بلغها أخي الاعزّ الشّيخ

__________

(١) أوله أخرجه البخاري: ك: التوحيد: ب: قول الله تعالى: «يريدون أن يبدلوا كلام الله “ ح ٧٠٧٥ عن أبي هريرة - رضي الله عنه بلفظ ” نحن الآخرون السابقون يوم القيامة “ وبقيته أخرجه الدارمي في سننه: ح ٤٨ عن أنس بن مالك - رضي الله عنهو عزاه السيوطي لابن مردويه عن أنس (الدر المنثور ج‍٨ تفسير سورة الإنسان تفسير قوله تعالى ” إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ منثورا»)

(٢) الفقير: يعني بذلك نفسه؛ فالصوفية يطلقون على أنفسهم لفظ “ الفقراء ” لكي يروا دائما جميع أعمالهم وأحوالهم امتنانا وفضلا من الله عز وجل. والفقر لغة: نقيض الغنى (ينظر لسان العرب / فقر) وأما في اصطلاح أهل التصوف؛ فقد قال الكاشاني بأن أصله: «الرجوع إلى العدم الأصلي حتى يرى العبد وجوده وعمله وحاله ومقامه كلها فضلا من الله وامتنانا محضا وذكر له صورا متعددة؛ فصورته في الأبواب: تجريد النفس من التعلق بالدنيا والميل إليها وفي الأخلاق: الشكر عند وجود الدنيا وعدمها والمواساة بما رزق منها. وفي الأحوال: رؤية نفسه ملك الحق بتصرف فيها كيف يشاء». انظر: الكاشاني:

محمّد طاهر فطاب الوقت وحصل السّرور وحيث كانت متضمّنة لحقائق أرباب الكشف (١) والشّهود (٢) ومعارفهم زادت الفرح على الفرح جزاكم الله سبحانه فصار الفقير أيضا باعثا على التّصديع بإيراد كلمات في البين من أذواق (٣) هذه الطائفة العليّة ومذاقهم على وفق ما في صحيفتكم.

(أيّها المخدوم) إن من المعلوم أن الوجود مبدأ كلّ خير وكمال والعدم منشأ كلّ نقص وشرّ وزوال فيكون الوجود ثابتا للواجب والعدم يكون نصيب الممكن حتّى يكون جميع الخير والكمال عائدا إليه تعالى وكلّ نقص وشرّ راجعا إلى الممكن وإثبات الوجود للممكن وإرجاع الخير والكمال إليه إشراكه في الحقيقة به سبحانه في ملكه وملكه جلّ سلطانه وكذلك القول بعينيّة الممكن للواجب تعالى شأنه وجعل صفاته وأفعاله عين صفاته وأفعاله سبحانه إساءة أدب وإلحاد في أسمائه وصفاته تعالى وأين المجال للكنّاس الخسيس المتّسم بالنّقص والخبث الذاتيّ أن يتصوّر نفسه عين سلطان ذي شأن منشإ كلّ خيرات وكمالات؟! ويتوهّم صفاته وأفعاله الذميمة عين صفاته وأفعاله الجميلة.

وعلماء الظاهر أثبتوا للممكن (٤) وجودا وجعلوا وجود الواجب (٥) تعالى ووجود الممكن من أفراد مطلق الوجود وغاية ما في الباب أنّهم قالوا بأقدميّة وجود الواجب وأولويّته بناء على قضيّة التّشكيك (٦)

__________

(٢) معجم إصطلاحات الصوفية: ٢٨٠٢٧٩ وعرفه ابن العلاء: «بأن لا يكون لك فإذا كان لك فلا يكون لك حتى تؤثر انظر: السهروردي عوارف المعارف: ٣٤٣.

(١) راجع تعريف المكاشفة ص.

(٢) عرفه الكاشاني في معجمه فقال: هو رؤية الحق بالحق. ا. هـ. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٧١.

(٣) الذوق: هو أول درجات شهود الحق بالحق في أثناء البوارق المتوالية عند أدنى لبث من التجلي البرقي. كذا عرفه الكاشاني. وقال السهروردي: الذوق إيمان. ا. هـ. وعرفه ابن العربي بأنه: أول مباديئ التجليات الإلهية.، انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٨١. السهروردي: عوارف المعارف: ٣٦٩.

(٤) قال الغزالي في تعريف الممكن: هو ما يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد. وقال ابن سينا: هو الذي متى فرض غير موجود أو موجودا لم يعرض منه محال والممكن الوجود: هو الذي لا ضرورة فيه بوجه أي: لا في وجوده ولا في عدمه. انظر: المعجم الفلسفي: ١٦٨.

(٥) الواجب: بطلق عند الفلاسفة ويراد به الله تعالى. انظر: المعجم الفلسفي: ١٨٢.

(٦) التشكيك: عند الفلاسفة والمتكلمين يعني: إتفاق من وجه واختلاف من وجوه. وهو على أنواع: تشكيك بالنسبة: وه يدل على صفة في كثيرين، أحدهم حد أصيل حاصل عليها بالمطابقة، والآخرون منسوبون إليها لعلاقة ما كقولنا: هواء صحي وغذاء صحي ومترل صحي، وما إلى ذلك مما هو علة أو وسيلة أو أثر للصحة التي هي للحيوان بالمطابقة وداخلة في تعريف سائر الحدود الثانوية. تشكيك بالتناسب: وهو يدل على مشاركة حقيقية من كثيرين مختلفين بالماهية في صفة ما ولكن لاختلافهم بالماهية تجيئ المشاركة في الصفة مختلفة في كل نوع منهم من حيث أن الصفة يجب أن تكون في الموجود على قدره وتبعا لماهيته كما لو أطلقنا لفظ العارف على الله وعلى الإنسان والحيوان فلا شك أن المعرفة في كل على حسب ماهيته لا على نحو واحد. تشكيك بالأولوية: وهو إختلاف الأفراد في الأولوية وعدمها كالوجود فإنه في الواجب أتم وأثبت وأقوى عنه في الممكن.

وهذا المعنى موجب لتشريك الممكن للواجب تعالى في الكمالات والفضائل النّاشئة من الوجود - تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا - وقد ورد في الحديث القدسيّ: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري» (١) فلو كان لعلماء الظاهر تنبّه لهذا المعنى لما أثبتوا للممكن وجودا أصلا ولما أعطوا له الخير والكمال الذين هما مختصّان به سبحانه باعتبار اختصاص الوجود به تعالى رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٢) وأكثر الصوفيّة خصوصا المتأخّرين منهم يعتقدون أن الممكن عين الواجب تعالى ويزعمون صفاته وأفعاله عين صفاته وأفعاله تعالى ويقولون [رباعيّ]:

همسايه وهمنشين وهمره همه اوست ... در دلق كدا واطلس شه همه اوست

در انجمن فرق ونهان خانهء جمع ... بالله همه اوست ثم بالله همه اوست

ترجمة:

الجار والصّحب والرّكبان كلّه هو ... في كسوة الفقر والسّلطان كلّه هو

في جلوة الفرق أو في خلوة الجمع هو ... بالله كلّه هو والله كلّه هو

وهؤلاء الاكابر وإن تنزّهوا وتخلّصوا عن الإشراك في الوجود وهربوا من الإثنينيّة (٣) ولكنّهم وجدوا غير الوجود وجودا واعتقدوا النّقائص كمالات وقالوا " لا شيء من النّقص والشّرّ الذاتيّين أصلا وإن كان فنسبيّ وإضافيّ فالسّمّ القاتل فيه شرّ وقبح بالنّسبة إلى الإنسان مثلا لكونه مزيلا لحياته وأمّا بالنّسبة إلى الحيوان الذي فيه سمّ فماء الحياة والتّرياق النّافع ومقتداهم في هذا الامر ومستندهم فيه الكشف والشهود

__________

(٦) تشكيك بالتقدم والتأخر: وهو أن يكون حصول معناه في بعضها متقدما على حصوله في البعض كالوجود أيضا؛ فإن حصوله في الواجب قبل حصوله في الممكن. تشكيك بالشدة والضعف: وهو أن يكون حصول معناه في بعضها أشد من البعض كالوجود أيضا؛ فإنه في الواجب أشد من الممكن. انظر المعجم الفلسفي: ٤٢.

(١) المسند للإمام أحمد ج‍٢ مسند أبي هريرة سنن أبي داود ك: اللباس ب: ما جاء في الكبر ح ٤٠٩٠. عن أبي هريرة - رضي الله عنه سنن ابن ماجه ك ك: الزهد ب: البراءة من الكبر والتواضع. ح ٤١٧٤. عن أبي هريرة - رضي الله عنه. والحديث صححه السيوطي في الجامع الصغير ح ٦٠٣٣.

(٢) البقرة: ٢٨٦

(٣) الإثنينية: مذهب يقول بمبدأين يدبران العالم أو يدبره احدهما ويفسده الآخر. وعرفها التهانوي في كشافه فقال: «هي كون الطبيعة ذات وحدتين ويقابلها كون الطبيعة ذات وحدة واحدة أو وحدات. " ويرجع هذا المذهب إلى أوائل عهد الفلسفة قال أنكساغوراس: إن المادة كانت مختلطة مضطربة فنظمها العقل أى الإله العاقل. وقال أفلاطون مثل ذلك. والمانويون ثنائيون، لكن الفرق عندهم بين المبدأين ليس الفرق بين العقل وعدم العقل وإنما هو الفرق بين الخير والشر وكلهم يأبون التسليم بحدوث الناقص عن الكامل ويفضلون اشتراك مبدأين، لكل منهما معلولات من جنسه. انظر: المعجم الفلسفي: ٣ زكي نجيب محمود: الموسوعة الفلسفية المختصرة: ١٢٣.

فإنّهم وجدوا على قدر ما ظهر لهم من عالم الغيب اللهمّ أرنا حقائق الاشياء كما هي وها نحن نبيّن أوّلا مذهب الشّيخ محيي الدين ابن العربيّ قدّس سرّه فإنّه إمام متأخّري الصّوفيّة ومقتداهم في هذه المسألة ثمّ نحرّر ما ظهر لنا في هذا الباب وانكشف ليحصل الفرق بين المذهبين على الوجه الاتمّ ولا يختلط أحدهما بالآخر من الدقّة. قال الشّيخ محيي الدين ابن العربيّ وأتباعه: «إنّ أسماء الواجب وصفاته جلّ وعلا عين ذات الواجب سبحانه وكذلك بعضها عين بعض الآخر مثلا: العلم والقدرة كما أنّهما عين ذاته تعالى كذلك كلّ منهما عين الآخر أيضا فلا يكون في ذلك الموطن اسم التّعدّد والتّكثّر ورسمه أصلا ولا التّمايز والتّباين قطعا “ غاية ما في الباب: أن تلك الاسماء والصّفات والشّئون والاعتبارات حصل لها التّمايز والتّباين في حضرة العلم إجمالا وتفصيلا فإن كان التّمايز إجماليّا يعبّر عنه بالتعيّن (١) الأوّل وإن تفصيليّا يسمّي بالتّعيّن الثاني ويسمّون الاوّل وحدة ويرونه الحقيقة المحمّديّة ويقولون للتّعيّن الثاني واحديّة (٢) ويظنّونه حقائق سائر الممكنات ويسمّون حقائق الممكنات أعيانا ثابتة ويثبتون هذين التّعيّنين العلميّين في مرتبة الوجوب ويقولون ” إن تلك الاعيان ما شمّت رائحة من الوجود الخارجيّ ولا موجود في الخارج غير الاحديّة المجرّدة أصلا وهذه الكثرة الّتي ترى في الخارج إنّما هي عكس تلك الاعيان الثابتة انعكست في مرآة ظاهر الوجود (٣) الذي لا موجود في الخارج غيره وعرض لها الوجود التّخيّليّ (٤) كما أنّ صورة شخص إذا انعكست في المرآة يعرض لها وجود تخيّليّ في المرآة».

وهذه الصّورة المنعكسة ليس لها وجود الّا في التّخيّل ولم يتحلّل في المرآة ولم ينتقش في وجهها شيء أصلا فإن كان الإنتقاش فهو في التّخيّل حيث يتوهّم أنّه في وجه المرآة وحيث كان هذا المتخيّل المتوهّم صنع الحقّ جلّ سلطانه الذي له إتقان تامّ لا يرتفع برفع الوهم والخيال ويترتّب عليه الثواب والعذاب الابديّان وهذه الكثرة الموهومة المتخيّلة في الخارج منقسمة على ثلاثة أقسام:

__________

(١) التعين: هو ما به امتياز الشيء عن غيره بحيث لا يشاركه فيه غيره. انظر: الجرجاني: التعريفات: ٨٧.

(٢) الواحدية: إعتبار الذات من حيث انتشاء الاسماء منها وواحديتها بها مع تكثرها بالصفات. الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ٧٣.

(٣) مرآة الوجود: هي التعينات المنسوبة إلى الشئون الباطنة التي صورها الأكوان؛ فإن الشئون باطنة والوجود المتعين بتعيناتها ظاهر فمن هذا الوجه كانت الشئون مرايا للوجود الواحد المتعين بصورها. الكاشاني: ١٠٢.

(٤) الوجود التخيلي: هو وجود الخيال في عالم الطبيعة ويمثلون له بقصة الجوهري وما كان من أمره أنه: «خرج بالعجين من بيته إلى الفرن وكانت عليه جنابة فجاء إلى شط النيل ليغتسل فرأى - وهو في الماء - مثل ما يرى النائم كأنه في بغداد وقد تزوج وأقام مع المراة ست سنين وأولدها أولادا غاب عني عددهم ثم رد إلى نفسه وهو في الماء ففرغ من غسله وخرج ولبس ثيابه وجاء إلى الفرن وأخذ الخبز وجاء إلى بيته وأخبر أهله بما أبصره في واقعته فلما كان بعد أشهر جاءت تلك المرأة التي رأى أنه تزوجها في الواقعة تسأل عن داره فلما اجتمعت به عرفها وعرف الأولاد وما أنكرهم وقيل له متى تزوج؟ فقال: منذ ست سنين وهؤلاء أولادها مني. فخرج بالحس ووقع في الخيال. ابن عربي: الفتوحات المكية: / ٨٢

القسم الأوّل: التّعيّن الرّوحيّ.

والثاني: التّعيّن المثاليّ.

والثالث: التّعيّن الجسديّ وله تعلّق بالشّهادة.

ويقولون لهذه التعيّنات الثلاثة “ تعيّنات خارجيّة ” ويثبتونها في مرتبة الإمكان والتّنزّلات الخمسة عبارة عن هذه التعيّنات الخمسة ويقولون لهذه التّنزّلات الخمسة " الحضرات الخمس (١)».

ولمّا لم يثبت عندهم شيء في العلم ولا في الخارج غير ذات الواجب تعالى وغير صفاته وأسمائه جلّ سلطانه الّتي هي عين ذاته تعالى وتقدّس وتوهّموا أنّ الصّورة العلميّة عين تلك الصّورة لا شبحها ومثالها وكذلك تصوّروا صورة الاعيان الثابتة الّتي صارت منعكسة في مرآة ظاهر الوجود عين تلك الاعيان لا شبحها حكموا بالاتّحاد (٢) ضرورة وقالوا: «الكلّ هو».

هذا هو بيان مذهب الشّيخ محيي الدين ابن العربيّ في مسألة وحدة الوجود على وجه الإجمال وهذه العلوم وأمثالها هي الّتي يزعمها الشّيخ مخصوصة بخاتم الولاية (٣) ويقول: «إنّ خاتم النّبوّة يأخذ هذه العلوم من خاتم الولاية “ ولشرّاح الفصوص تكلّفات في توجيه هذا الكلام (وبالجملة) لم يتكلّم أحد من هذه الطّائفة بهذه العلوم والأسرار قبل الشّيخ أصلا ولم يبيّن هذا الحديث على هذا النّهج قطعا وإن ظهر منهم كلمات مشعرة بالتّوحيد (٤) والاتّحاد في غلبات السّكر (٥) وقالوا: «أنا الحقّ وسبحاني ”

__________

(١) انظر: الكاشاني: رشح الذلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال: ٥٢

(٢) الإتحاد: هو شهود الوجود الحق الواحد المطلق الذي الكل به موجود بالحق فيتحد به من حيث كون كل شيء موجودا به معدوما بنفسه لا من حيث أن له وجودا خاصا اتحد به فإنه محال. انظر: الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ٤٩ رشح الزلال: ٢٣٧. المعجم الفلسفي: ١.

(٣) المراد بالخاتم عند الصوفية: الذي قطع المقامات بأسرها وبلغ نهاية الكمال وخاتم الولاية عندهم هو الذي يبلغ به صلاح الدنيا والآخرة نهاية الكمال ويختل بموته نظام العالم وهو المهدي الموعود في آخر الزمان. الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ١٧٨. ويرى الحكيم الترمذي أن للنبوة ختم وللأنبياء خاتم وللولاية ختم وللأولياء خاتم وختم النبوة هو بمثابة المركز الذي تدور حوله النبوة والمبدأ الذي تصدر عنه والغاية التي تتحقق فيه كمالاتها فخاتم الانبياء ليس فقط هو آخر الأنبياء مبعثا أو ظهورا بل هو أسماهم مقاما وأرفعهم ذكرا أو أبعدهم صوتا وكذلك الشأن بالنسبة للولاية والأولياء. ويرى كذلك أن من يختصه الله عز وجل بختم الولاية يكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء كما أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأنبياء؛ لأنه اختصه الله بختم النبوة. الحكيم الترمذي: كتاب ختم الأولياء: ٣٤٤، ١١٢. بتحقيق: عثمان إسماعيل يحي.

(٤) التوحيد في اللغة: هو الإيمان بالله وحده لا شريك له. (لسان العرب / وحد.). أما عند الصوفية: فهو شهادة المؤمن يقينا أن الله تعالى هو الأول في كل شيء وأقرب من كل شيء وهو المعطي المانع لا معطي ولا مانع ولا ضار ولا نافع إلا هو. وذكر الكاشاني: أن صورته في البدايات: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

وفي الأبواب: تصديق الجنان بهذا المعنى بحيث لا يخالجه شك ولا شبهة ولا حيرة.

ولكنّهم لم يبيّنوا وجه الإتّحاد ولم يجدوا منشأ التّوحيد؛ فصار الشّيخ برهان متقدّمي هؤلاء الطائفة وحجّة متأخّريهم. ومع ذلك: بقي في هذه المسألة دقائق كثيرة مختفية وما جاءت الأسرار الغامضة من هذا الباب في منصّة الظّهور فوفّق هذا الفقير بإظهارها وبشّر بتحريرها والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٢) (أيّها المخدوم) إنّ صفات الواجب تعالى وتقدّس الثمانية الّتي هي موجودة في الخارج عند أهل الحقّ - شكر الله تعالى سعيهم - تكون متميّزة عن ذاته تعالى وتقدّس في الخارج بالضّرورة تميّزا لا كيفيّا ولا مثليّا وكذلك بعض تلك الصّفات متميّز عن بعض آخر منها بتميّز لا كيفيّ بل التّميّز اللاكيفيّ ثابت أيضا في مرتبة الذّات تعالت وتقدّست لأنّه الواسع بالوسع المجهول الكيفيّة والتّميّز الذي يحصل في حوصلة فهمنا وإدراكنا مسلوب عن جناب قدسه تعالى فإنّ التّجزّي والتّبعّض غير متصوّر فيه والتّحلّل والتّركّب لا سبيل لهما إلى تلك الحضرة جل سلطانها ولا مجال هناك للحاليّة والمحلّيّة. وبالجملة كلّ ما هو من صفات الممكن ولوازمه مسلوب عن ذلك الجناب المقدّس لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (٣) لا في الذّات ولا في الصّفات ولا في الافعال ومع وجود هذا التّميّز اللّا مثليّ والوسعة اللّا كيفيّة عرض للأسماء والصّفات تفصيل وتميّز في موطن العلم أيضا وصارت منعكسة ولكلّ اسم وصفة متميّزة مقابل ونقيض في مرتبة العدم مثلا: لصفة العلم مقابل ونقيض في مرتبة العدم وهو عدم العلم المعبّر عنه بالجهل ولصفة القدرة مقابل هو العجز الذي عدم القدرة على هذا القياس في بقيّة الصّفات وعرض لهذه العدمات المقابلة أيضا تفصيل وتميّز في علم الواجب جلّ شأنه وصارت مرايا

__________

(٥) السكر: لغة نقيض الصحو والسكران خلاف الصاحي (لسان العرب / سكر). أما عند الصوفية فهو: خيرة بين الفناء والوجود في مقام المحبة الواقعة بين أحكام الشهود والعلم إذ الشهود يحكم بالفناء والعلم يحكم بالوجود. وله صور متعددة فصورته في الأبواب: التردد بين الخوف والرجاء. وصورته في المعاملات: الحيرة بين رعاية الأعمال والأحوال. وفي الأخلاق: سكر الإنبساط. وفي الأصول: الحيرة بين أنوار القرب والأنس مع الجد في السلوك الدال على البعد والإستيحاش. وفي الأودية: الحيرة بين الحكمة والقدرة. وفي الأحوال: الحيرة بين التجلي والإستيثار. وفي الولايات: السكر بين حسن الصفات وجمال الذات. الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ٣٥٥، ٣٥٦.

وفي المعاملات: العمل بالأركان المبني على اليقين الوجداني وإسقاط الأسباب بحيث لا نزاع فيه للحق ولا تعلق فيه بالشواهد ولا يرى صاحبه لغير الحق تأثيرا ولا فعلا. وفي الأخلاق: رؤية الملكات والهيئات ومصادر الأفعال كلها لله. وفي الأصول: رؤية القصد والعزم والسير لله وفي الله وبالله. وفي الأحوال: شهود الحب من الحق بالحق للحق ذوقا. وفي الولايات: الفناء عن رسوم الصفات في الحضرة الواحدية وشهود الحق بأسمائه وصفاته لا غير. الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٧٩٣٧٨.

(٢) الآية: ٤ من سورة الأحزاب.

(٣) الشورى: ١١.

الاسماء والصّفات المتقابلة لها وكانت مجالي ظهور عكوسها وتلك العدمات مع عكوس تلك الاسماء والصّفات حقائق الممكنات عند الفقير غاية ما في الباب أنّ تلك العدمات كأصول تلك الماهيّات وموادّها وتلك العكوس بمثابة الصّور الحالة في تلك الموادّ. فحقائق الممكنات عند الشّيخ محيي الدين هي تلك الاسماء والصّفات المتميّزة في مرتبة العلم. (وعند الفقير) حقائق الممكنات العدمات الّتي هي نقائض الاسماء والصّفات مع عكوس تلك الاسماء والصّفات الّتي ظهرت في مرايا تلك العدمات في موطن العلم وامتزجت بها ومتى أراد المختار جل سلطانه أن يجعل ما هي من تلك الماهيّات الممتزجة متّصفة بالوجود الظّلّيّ الذي هو ظلّ من ظلال حضرة الوجود وأن يجعلها موجودة خارجيّة يلقي إليها ظلّا من ظلال حضرة الوجود ويصيّرها مبدأ للآثار الخارجيّة فوجود الممكن في العلم والخارج كسائر صفاته ظلّ من ظلال حضرة الوجود ومن كمالاته التّابعة له مثلا: علم الممكن ظلّ من علم الواجب تعالى وتقدّس الذي انعكس في مقابله وقدرة الممكن ظلّ من القدرة المنعكسة في العجز الذي هو مقابلها فكذلك وجود الممكن ظلّ من ظلال حضرة الوجود الذي انعكس في مرآة العدم الذي هو مقابله.

(شعر)

وما جئت من ملكي بشيء وإنّما ... وهبت الذي عندي وذاتي وأوصافي

ولكن ظلّ شيء ليس عين شيء ليس عند الفقير بل شبح ذلك الشّيء ومثاله وحمل أحدهما على الآخر ممتنع. (فعند الفقير) لم يكن الممكن عين الواجب فإن حقيقة الممكن عدم والعكس الذي انعكس فيه من الاسماء والصّفات شبح تلك الاسماء والصّفات ومثالها لا عينها فلا يصحّ: «كلّه هو “ بل ” كلّه منه " لانّ ما هو ذاتيّ (١) للممكن العدم الذي هو منشأ للشّرّ والنّقص والخباثة وكلّ ما هو في الممكن من جنس الكمالات من الوجود وتوابعه كلّه مستفاد من تلك الحضرة جلّ سلطانها وظلّ من كمالاته الذّاتيّة سبحانه وتعالى فيكون هو سبحانه نور السّماوات والارض بالضّرورة وما وراءه تعالى يكون كلّه ظلمة (٢) كيف لا والعدم فوق جميع الظّلمات؟!

وتحقيق هذا المبحث مسطور في المكتوب الذي حرّر إلى ولدي الاعظم المرحوم في بيان حقيقة الوجود وتحقيق ماهيّات الممكنات فليطلب من هناك فالعالم بأسره عبارة عند الشّيخ محيي الدين عن الاسماء والصّفات الّتي عرض لها تميّز في مرتبة العلم وظهور في ظاهر الوجود.

عند الفقير: العالم عبارة عن العدمات الّتي انعكست عليها أسماء الواجب وصفاته في موطن العلم ووجدت تلك العدمات مع تلك العكوس في الخارج بإيجاد الحقّ سبحانه بوجود ظلّيّ فظهر في

__________

(١) الذاتي: هو ما يفتقر إليه الموضوع في ماهيته ويكون داخلا في ماهيته جزءا منها. المعجم الفلسفي: ٧٨.

(٢) قال الكاشاني: كل ظلمة هي عبارة عن عدم النور عما من شأنه أن يتنور. وقال: الظلمة بإزاء النور هو العدم. الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ١٨٤.

العالم الخباثة الذّاتيّة والشّرّ الجبليّ وكان الخير والجمال كلّه عائد إلى جانب قدسه جل وعلا وقوله تعالى ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (١) مؤيّد لهذه المعرفة والله سبحانه الملهم. (فعلم من هذا التّحقيق) أنّ العالم موجود في الخارج بوجود ظلّيّ كما أنّ الحقّ سبحانه موجود في الخارج بوجود أصليّ بل بذاته غاية ما في الباب: أنّ هذا الخارج أيضا ظلّ ذلك الخارج مثل الوجود والصّفات فلا يمكن أن يقال للعالم: «إنّه عين الحقّ جلّ وعلا “ ولا يجوز حمل أحدهما على الآخر فإنّه لا يمكن أن يقال لظلّ شخص: «إنّه عين الشّخص ” لوجود التّغاير بينهما في الخارج لانّ الإثنين متغايران فإذا قال شخص لظلّ شخص: إنّه عين ذلك الشّخص إنّما يقول ذلك على سبيل التّسامح والتّجاوز وهو خارج عن المبحث. (فإن قيل) إنّ الشّيخ محيي الدين وتوابعه أيضا يقولون: «إنّ العالم ظلّ الحقّ تعالى فما يكون الفرق (قلنا) إنّهم لا يرون وجود ذلك الظّلّ (٢) في غير الوهم ولا يجوّزون وصول رائحة من الوجود الخارجيّ إليه. (وبالجملة) أنّهم يعبّرون عن الكثرة الموهومة بظلّ الوحدة الموجودة ويرون الموجود واحدا في الخارج شتّان ما بينهما فصار منشأ حمل الظّلّ على الاصل وعدم ذلك الحمل هو إثبات الوجود الخارجيّ للظّلّ وعدم إثباته وهم - لمّا لم يثبتوا للظّلّ وجودا خارجيّا - حملوه على الاصل بالضّرورة. وحيث يري هذا الفقير الظّلّ موجودا في الخارج لا يبادر إلى الحمل والفقير متّفق معهم في نفي الوجود الاصليّ عن الظّلّ ومتّفق أيضا في إثبات الوجود الظّلّيّ ولكنّ هذا الفقير يثبت الوجود الظّليّ في الخارج وهم يظنّون الوجود الظّلّيّ في الوهم والتّخيّل ولا يقولون بوجود موجود في الخارج غير الاحديّة المجرّدة ولا يثبتون الصّفات الثمانية الّتي ثبت وجودها في الخارج على آراء أهل السّنّة والجماعة رضي الله عنهم في غير موطن العلم فوقع العلماء الظاهريّة وهؤلاء الاكابر - رضي الله عنهم - في طرفي الإقتصاد وكان الحقّ المتوسّط نصيب هذا الفقير ووفّق به. فإن عرف هؤلاء الاكابر أن هذا الخارج ظلّ ذلك الخارج لمّا أنكروا وجود العالم في الخارج ولم يقتصروا على الوهم والخيال ولا أنكروا أيضا وجود صفات واجب الوجود في الخارج ولئن تنبّه العلماء أيضا لما أثبتوا للممكن وجودا أصليّا بل اكتفوا بالوجود الظّلّيّ وما كتبه الفقير في بعض مكتوباته أن إطلاق الوجود على الممكن بطريق الحقيقة لا بطريق المجاز ليس بمناف لهذا التّحقيق فإنّ الممكن موجود في الخارج بوجود ظلّيّ بطريق الحقيقة لا على سبيل التّخيّل والتّوهّم كما زعموا. (فإن قيل) إنّ صاحب الفتوحات المكّيّة قال بأنّ

__________

(١) النساء: ٧٩

(٢) الظل: هو الوجود الإضافي الظاهر بتعينات الأعيان الممكنة وأحكامها التي هي معدومات ظهرت باسمه النور الذي هو الوجود الخارجي المنسوب إليها فيستر ظلمة عدميتها النور الظاهر بصورها صار ظلا لظهور الظل بالنور وعدميته في نفسه. قال تعالى: «ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " أي بسط الوجود الإضافي على الممكنات فالظلمة بإزاء هذا النور هو العدم وكل ظلمة فهو عبارة عن عدم النور عما من شاته أن يتنور؛ ولهذا سمي الكفر ظلمة؛ لعدم نور الإيمان عن قلب الإنسان الذي من شأنه أن يتنور به. الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ١٨٤.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!