موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(28) المكتوب الثامن والعشرون إلى الملا صالح الترك في بيان كيفية التصديق عن أرواح الموتى

 

 


خارج لا من داخل حتّى تنافي العبوديّة (وبالجملة) أنّ كلّ فساد منشؤه النّفس الامّارة فهو مرض ذاتيّ وسمّ قاتل ومناف لمقام العبوديّة وكلّ فساد حصل من خارج ولو كان بالقاء الشّيطان فهو من الأمراض العارضيّة الزّائلة بأدنى العلاج قال الله تبارك وتعالى إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا (١) وبلاؤنا إنّما هو أنفسنا وعدوّ أرواحنا مصاحبنا السّوء والعدوّ الخارجيّ يستولى علينا بمدده إيّاه ويزيلنا عن منزلتنا بإعانته إليه وأشدّ الاشياء جهالة هو النّفس الامّارة فإنّها عدوّ نفسها ومريدة بالسّوء إيّاها وهمّتها إهلاك نفسها ومتمنّاها معصية ربّها الذي هو مولاها ووليّ نعمها وإطاعة الشّيطان الذي هو عدوّها (ينبغي أن يعلم) أنّ التّمييز بين المرض الذّاتيّ والعرضيّ ومعرفة الفساد الداخليّ والخارجيّ في غاية التّعذّر وربّما يظنّ النّاقص نفسه كاملا بزعم أنّ مرضه عارضيّ لا ذاتيّ فيبقى في الخسارة الابديّة ومن هذا الخوف لم أجترئ في تحرير هذا السّرّ ولم أستحسن إظهار هذا المعنى وكنت في هذا الاشتباه مدّة سبعة عشر سنة ووجدت الفساد الذّاتيّ مختلطا بالفساد العارضيّ وفي هذا الوقت ميّز الحقّ سبحانه الحقّ من الباطل وأبان الفساد الذّاتيّ من الفساد العارضيّ لله سبحانه الحمد والمنّة على ذلك وعلى جميع نعمائه وأحد اسباب إظهار أمثال هذه الأسرار وحكمة من حكمه الإشفاق على قاصر النّظر لئلّا يظنّ الكامل ناقصا بوجود أمثال هذه التمنّيات والمرادات الخارجيّة فيه فيحرم من بركاته وكان سبب حرمان الكفّار من دولة تصديق الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وجود أمثال هذه الصّفات فيهم فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا (٢) وما قيل إنّ الحقّ سبحانه يجعل العارف بعد زوال المرادات والمقتضيات عنه صاحب إرادة واختيار فتفصيله يذكر ويحرّر بعناية الله تعالى في محلّ آخر وهذا الوقت لا يساعد ذلك والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٣) والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أتمّ الصّلوات وأكمل التّسليمات.

(٢٨) المكتوب الثامن والعشرون إلى الملّا صالح التّرك في بيان كيفيّة التّصديق عن أرواح الموتى

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وقع يوما في الخاطر أن أتصدّق عن أرواح بعض الاقارب الموتى فظهر في ذلك الاثناء أنّه قد حصل الفرح والسّرور لذلك الميّت المرحوم بمجرّد هذه النّيّة وظهر في النّظر فرحا ومسرورا ولمّا جاء وقت إعطاء تلك الصّدقة قصدت بها أوّلا روحانيّة خاتم الرّسل عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام كما كان ذلك عادتي ثمّ روحانيّة ذلك الميّت فأحسست في ذلك الميّت

__________

(١) الآية: ٧٦ من سورة النساء.

(٢) الآية: ٦ من سورة التغابن.

(٣) الآية: ٤٨ من سورة طه.

في ذاك الوقت غمّا وحزنا وظهر بالوحشة والكدورة فحصل لى تعجّب تامّ من مشاهدة هذا الحال لانّه لم يظهر وجه تكدّره ووحشته مع أنّه كان محسوسا أنّه قد حصل له من تلك الصّدقة بركات عظيمة ولم يظهر فيه أثر فرح وسرور وكذلك نذرت يوما مبلغا لروحانيّته صلّى الله عليه وسلّم وأدخلت في ذلك النّذر سائر الانبياء الكرام على نبيّنا وعليهم الصّلاة والسّلام فلم يعلم مرضاه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الامر وكذلك إذا أشركت سائر الانبياء نبيّنا عليهم الصّلاة والسّلام في الصّلوات في بعض الاوقات لا يظهر رضاه صلّى الله عليه وسلّم مع أنّه قد علم أنّه إذا تصدّقت عن روحانيّة واحد وأشركت فيها جميع المؤمنين يصل ثوابها إلى الكلّ من غير أن ينقص شيء من ثواب الشّخص المنويّ عنه إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ (١) فما يكون وجه التّكدّر وعدم الرّضاء في ذلك التّقدير وبقي هذا الإشكال مدّة فظهر آخر الامر بفضل الله سبحانه أنّ وجه التّكدّر والحزن هو أنّ الصّدقة إذا تصدّق بها عن الميّت بلا شركة يحمل ذلك الميّت تلك الصّدقة من جانبه إلى ملازمة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بطريق الهديّة ويأخذ عنه صلّى الله عليه وسلّم فيوضا وبركات بوساطتها بخلاف ما إذا قصد صاحب الصّدقة بصدقته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّه لا نفع حينئذ للميّت سوى الثواب ففي صورة الشّركة إن قبلت الصّدقة فللميّت ثواب تلك الصّدقة وفي عدم الشّركة إن قبلت ثواب الصّدقة وبركات إتحاف تلك الصّدقة وفيوض إهدائها له صلّى الله عليه وسلّم وهذا المعنى كائن في كلّ صدقة يشرك فيها الميّت بالغير فإنّ في صورة الشّركة درجة واحدة من الثواب وفي صورة عدم الشّركة درجتان درجة الصّدقة ودرجة حملها من عنده إلى ذلك الغير وكذلك صار معلوما أنّ غريبا إذا حمل تحفة وهديّة إلى واحد من الاكابر الافضل أن يحملها إليه من غير شركة احد به ولو كان طفيليّا والمهديّ إليه يعطيها من عنده من شاء من إخوانه وغيرهم والآل والاصحاب الذين هم بمثابة عياله عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات فلو جعلهم داخلا في هديّته صلّى الله عليه وسلّم يكون ذلك مرضيّا ومقبولا نعم من المعروف أنّ من أهدى هديّات إلى واحد من الاعزّة وأشرك به فيها أقرانه يكون ذلك بعيدا من الادب والتماس رضا المهديّ إليه بخلاف ما إذا أهدى إلى خدمته بتبعيّته فإنّ ذلك يكون مرضيّا لانّ إعزاز خدمة شخص إعزاز ذلك الشّخص فعلم أنّ أكثر رضاء الموتى في إفراد الصّدقة لا في الإشراك ولكن إذا قصد التّصدّق عن ميّت ينبغي أن يهدى أوّلا شيء بنيّة روحانيّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على حدة ثمّ يتصدّق عن الميّت فإنّ حقوقه صلّى الله عليه وسلّم فوق حقوق سائر الخلق وأيضا إنّ في هذا التّقدير احتمال كون الصّدقة مقبولة ببركة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهذا الفقير إذا عجز عن تصحيح النّيّة في بعض الصّدقات عن الموتى لا يجد علاجا أفضل من أن أتصدّق بها بنيّته صلّى الله عليه وسلّم وأجعل ذلك الميّت طفيليّا له فإنّه يرجى أنّ تقبل ببركته صلّى الله عليه وسلّم وقد قال العلماء: إنّ الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقبولة ولو صدرت رياء وسمعة وهي واصلة

__________

(١) الآية: ٣٢ من سورة النجم.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!