موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(43) المكتوب الثالث والأربعون إلى الخواجه محمد سعيد والخواجه محمد معصوم سلمهما الله تعالى في بيان مكالمته الواقعة في محفل سلطان الوقت مد ظله ** | ** (44) المكتوب الرابع والاربعون إلى المير عبد الرحمن بن المير محمد نعمان في دفع شبهات المنكرين للرؤية الأخرو

 

 


(٤٣) المكتوب الثالث والأربعون إلى الخواجه محمّد سعيد والخواجه محمّد معصوم سلّمهما الله تعالى في بيان مكالمته الواقعة في محفل سلطان الوقت مدّ ظلّه

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد: إنّ أحوال هذه الحدود وأوضاعها مستوجبة للحمد قد تمرّ صحبات عجيبة وغريبة وبعناية الله سبحانه وتعالى لا يتطرّق مقدار شعره من المساهلة والمداهنة في هذا القيل والقال إلى الامور الدينيّة والاصول الإسلاميّة ويقع البيان في هذه المعارك بعين العبارات الّتي كانت تصدر في الخلوات والمجالس الخاصّة بتوفيق الله سبحانه فإن كتبنا ما جرى في مجلس واحد يستدعى أن يكون مجلّدا خصوصا في البارحة الّتي هي اللّيلة السّابعة عشر من شهر رمضان قد ذكرت أشياء كثيرة من فائدة بعثة الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وعدم استقلال العقل والإيمان بالآخرة وعذابها وثوابها ومن إثبات الرّؤية وخاتميّة خاتم الرّسل ومن مجدّد كلّ مائة ومن الاقتداء بالخلفاء الرّاشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين وسنّيّة التّراويح وبطلان التّناسخ ومن أحوال الجنّ ومن عذابهم وثوابهم وأمثال ذلك وصارت مسموعة بحسن الاستماع وذكر في ضمن ذلك أيضا أشياء أخر من أحوال الأقطاب والأبدال والأوتاد وبيان خصوصيّاتهم كذا وكذا الحمد لله سبحانه تكونون على ما أنتم عليه لا يظهر تغيّر أصلا ولعلّ لله سبحانه وتعالى في هذه الواقعات والملاقاة مصالح مستورة وأسرارا مكنونة الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ (١) وأوصلت ختم القرآن إلى سورة عنكبوت وكلّ ليلة انصرف من ذاك المجلس وأجيئ إلى محلّي أشتغل بالتّراويح وفائدة الحفظ الّتي هي دولة عظيمة قد حصلت في هذه الفترات الّتي هي عين الجمعيّة الحمد لله أوّلا وآخرا.

(٤٤) المكتوب الرّابع والاربعون إلى المير عبد الرّحمن بن المير محمّد نعمان في دفع شبهات المنكرين للرّؤية الأخرويّة

بسم الله الرّحمن الرّحيم الإعتراض الذى يوردون في مسالة الرّؤية بل الدليل الذى يقيمونه على نفي الرّؤية هو أنّ الرّؤية البصريّة تقتضي محاذاة المرئيّ ومقابلته بالرّائي وهي مفقودة في حقّ الواجب تعالى لكونها مستلزمة للجهة المنجرّة إلى الإحاطة والتّحديد والنّهاية المستلزمة للنّقص المنافي للألوهيّة

__________

(١) الآية: ٤٣ من سورة الأعراف.

تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (والجواب) أنّ القادر على الكمال جلّ سلطانه إذا أعطى للبصر الذي هو عبارة عن القطعتين العصبيّتين المجوّفتين الخاليتين عن الحسّ والحركة في هذه النّشأة الضّعيفة الفانية قوّة إحساس الاشياء وإبصارها - بشرط المقابلة والمحاذاة - لم لا يمكن أن يعطى في النّشأة الآخرة القويّة الباقية لهاتين القطعتين العصبيّتين - قوّة تبصّر بها المرئيّ بلا مقابلة ومحاذاة سواء كان ذلك المرئيّ في جميع الجهات أو لم يكن في جهة أصلا فما الاستبعاد في ذلك وأين المحال فإنّ الفاعل المختار جلّ سلطانه في أعلا مرتبة الاقتدار وقابل مستعدّ لأن يتعلّق به الإحساس والإبصار غاية ما في الباب أنّه تعالى راعى في بعض الامكنة لمصالح شرط المحاذاة وتعيّن الجهة في إحساس الابصار وفي بعض أمكنة وأزمنة أخر أسقط ذلك الشّرط عن حيّز الاعتبار وقرّر من غير هذا الشّرط رؤية الابصار وقياس موطن على موطن آخر مع وجود كمال الاختلاف والتّضادّ بينهما بعيد عن الإنصاف وقصر النّظر على مكشوفات عالم الملك والشّهادة وإنكار على عجائب عالم الملكوت. (فإن قيل) إذا كان الحقّ سبحانه مرئيّا ينبغي أن يكون محاطا ومدركا بالبصر وذلك مستلزم للحدّ والنّهاية تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. (أجيب) يمكن أن يكون مرئيّا ولا يكون محاطا ومدركا بالبصر قال الله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١) والمؤمنون يرون الحقّ سبحانه في الآخرة ويجدون باليقين الوجدانيّ أنّهم يرونه جلّ شأنه ويجدون في أنفسهم الالتذاذ المترتّب على الرّؤية على وجه الكمال ولكنّ المرئيّ لا يكون مدركا لهم أصلا ولا يحصل لهم شيء منه قطعا غير وجدان الرّؤية وغير الالتذاذ بها. (شعر)

ولا أحد يصطاد عنقاء فاسترح ... وإلّا تكون حامل الفخّ دائما

والنّقصان الذى يتوهّم في الرّؤية من كون المرئيّ محاطا ومدركا مفقود في ذلك الموطن ومجرّد ثبوت الرّؤية بلا جهة والالتذاذ الحاصل للرّائي من تلك الرّؤية لا نقص ولا قصور فيه أصلا بل من كمال إنعام المرئيّ وإحسانه إجلاء جماله الكامل لمحترقي نائرة محبّته وإروائهم من ذلال رؤيته وتشريفهم بوصال حضرته من غير أن يعود شيء من النّقص والقصور إلى جناب قدسه تعالى وبدون ثبوت الجهة والإحاطة في حضرة أنسه سبحانه. (شعر)

از آن طرف نپذيرد كمال أو نقصان ... وزين طرف شرف روز كار من باشد

ترجمة: في مجدكم لا يلحق النّقصان من ... هذا ولى فيه ألوف كرامة

أو نقول لو كانت المقابلة والمحاذاة شرطا في حصول الرّؤية ينبغي أن تكون شرطا في جانب الرّائي أيضا لكونها شرطا في جانب المرئيّ فإنّ المقابلة نسبة قائمة بالمتقابلين أعني الرّائي والمرئيّ فلزم أن لا يرى الحقّ سبحانه الأشياء ولا تكون صفة رؤية الأشياء ثابتة له تعالى وتقدّس وذلك مخالف

__________

(١) الآية: ١٠٣ من سورة الأنعام.

للنّصوص القرآنيّة؛ قال الله تعالى والله بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١) وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢) وَ سَيَرَى الله عَمَلَكُمْ (٣) (وأيضا) هو نقص وسلب للصّفة الكاملة منه تعالى (فإن قيل) إنّ الرّؤية في الواجب تعالى عبارة عن العلم بالاشياء لا أنّها أمر آخر وراء العلم مستلزم للجهة (أجيب) لا شكّ أنّ الرّؤية من الصّفات الكاملة ثابتة للواجب سبحانه بالاستقلال بنصّ القرآن وإرجاعها إلى العلم ارتكاب خلاف الظّاهر ولو سلّم أنّها من أقسام العلم لا يلزم منه عدم اشتراط المحاذاة فيها؛ فإنّ العلم على قسمين: قسم: لا يشترط فيه محاذاة المعلوم وقسم آخر: تشترط فيه المحاذاة وهو المسمّى بالرّؤية وهذا القسم أعلى أقسام في الممكنات وحاصل في مرتبة اطمئنان القلب ولا أمن في المعقولات من معارضة الوهم والخالي عن تلك المعارضة إنّما هو المحسوس ومن ههنا طلب الخليل على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام رؤية إحياء الموتى ليطمئنّ قلبه مع وجود الإيمان واليقين به (ينبغي أن يعلم) أنّ الرّؤية الّتي هي من الصّفات الكاملة إذا لم تكن في الواجب تعالى من أين جاءت للممكن فإنّ كلّ كمال حاصل للممكن هو عكس الكمال الذى في مرتبة الواجب تعالى وتقدّس وحاشا أن يكون في الممكن ما ليس للواجب تعالى فإنّ الممكن هو عين النّقص في حدّ ذاته فإن كان فيه كمال فهو عارية من مرتبة حضرة الوجوب - تعالت وتقدّست - الّتي هي عين كلّ خير وكمال. (شعر)

ما جئت من بيتي بشيء إنّما ... أعطيتنى ما بي ونفسي بعض ذا

(وجواب آخر) عن أصل السّؤال انّ هذا الاعتراض متمشّ في وجود الواجب تعالى وتقدّس فكما أنّه ينفي الرّؤية ينفي الوجود من جناب قدسه تعالى فهذا الاعتراض ليس بوارد؛ لكونه مستلزما للمحال العقليّ. (بيانه) أنّ الواجب سبحانه إذا كان موجودا يكون البتّة في جهة من جهات العالم من فوق وتحت وقدّام وخلف ويمين وشمال وذلك مستلزم للإحاطة والتّحديد المستلزم للنّقص المنافي للألوهيّة تعالى الله وتقدّس عن ذلك (فإن قيل) يمكن أن يكون في جميع جهات العالم فلا يلزم الإحاطة والتّحديد (أجيب) أنّ كونه في جميع جهات العالم لا ينفي الإحاطة والتّحديد فإنّه على هذا التّقدير أيضا يكون وراء العالم البتّة فإنّ الاثنينيّة لازمة للغيريّة الاثنان متغايران قضيّة مقرّرة عند أرباب المعقول وذلك مستلزم للتّحديد (لا يخفى) أنّ طريق التّفصّي من أمثال هذه الشّبهات المموّهة الغير الحقّة التزام الفرق بين أحكام الغيبة وأحكام الشّهادة وعدم قياس الغائب على الشّاهد فإنّه يمكن أن يكون بعض الأحكام صادقا في الشّاهد وكاذبا في الغائب وكمالا في الشّاهد ونقصا في الغائب فإنّ تباين الاحكام ثابت خصوصا إذا كان بين المواطن بون بعيد ما للتّراب وربّ الارباب رزقهم الله سبحانه الإنصاف حتّى لا ينكروا النّصوص القرآنيّة

__________

(١) الآية: ٢٦٥ من سورة البقرة.

(٢) الآية: ١١ من سورة الشورى.

(٣) الآية: ٩٤ من سورة التوبة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!