موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(114) المكتوب الرابع عشر والمائة إلى محمد هاشم الكشمي في تحقيق صفات الواجب تعالى وبيان كيفية تعلق علمه تعالى بكمالاته وبيان أنه لا بد للمعنى من القيام بالعين ولكن لا يحتاج فيه إلى إثبات المحل وبيان التعين الوجودي ومبادي تعينات الانبياء ا

 

 


الاعتباريّ ثابتا في الموضعين والقيام متحقّقا وحصول الاتّصاف هنا من قبيل اتّصاف الإنسان بالإنسانيّة واتّصاف الجوهر بالجوهريّة بل أقول: إنّ مرتبة الذّات الاقدس والصّفات الحقيقيّة المقدّسة القائمة بها ليست فيها ملاحظة الصّفات والاتّصاف أصلا لا في حضرة الذّات ملاحظة الموصوفيّة ولا في الصّفات ملاحظة الصّفاتيّة فإذا لم يكن للوجود ووجوب الوجود مجال في تلك الحضرة كيف يكون للصّفة والاتّصاف فيها مجال؟ فإنّها فرع الوجود لا مجال في ذلك الموطن المقدّس لشيء غير النّور وهو أيضا لا كيفيّ فإن كان فيه حياة فهو نور وإن كان علم فهو أيضا نور وعلى هذا القياس فلو أثبت لهذا النّور الاقدس اللّاكيفيّ ظهور في مرتبة ثانية بلا تغيّر وانتقال لا يكون القابل لمظهريّته شيء غير الوجود ولهذا كان التّعيّن الاوّل عند هذا الحقير هو التّعيّن الوجوديّ وسائر التّعيّنات تابعة لهذا التّعيّن الاوّل وإن لم يكن لإطلاق لفظ التّعيّن ههنا مجال بمقتضى علوم هذا الفقير ولكن لمّا صار هذا اللّفظ متعارفا فيما بين القوم نحن أيضا جرينا على اصطلاحاتهم واخترنا المساهلة في إطلاقه رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)

(١١٤) المكتوب الرّابع عشر والمائة إلى محمّد هاشم الكشميّ في تحقيق صفات الواجب تعالى وبيان كيفيّة تعلّق علمه تعالى بكمالاته وبيان أنّه لا بدّ للمعنى من القيّام بالعين ولكن لا يحتاج فيه إلى إثبات المحلّ وبيان التّعيّن الوجوديّ ومبادي تعيّنات الانبياء المتبوعين والانبياء التّابعين والملائكة الكرام على الانبياء وعليهم الصّلاة والسّلام ومبادي تعيّنات الأولياء وعوامّ المؤمنين والكفّار وموجودات النّشأة الاخرويّة

إنّ الصّفات الحقيقيّة الّتي نثبتها في مرتبة حضرة الذّات لا يحدث من ذلك الإثبات تعيّن ولا تنزّل في تلك الحضرة تعالت وتقدّست ولا تثبت مرتبة أخرى وراء المرتبة الاولى ولا يتصوّر انفكاكها منها بوجه من الوجوه وما لم تتحقّق مرتبة ثانية ولم يحصل انفكاك بوجه من الوجوه لا يتصوّر تعيّن ولا تنزّل وكأنّ حضرة الذّات والصّفات في مرتبة واحدة وكأنّ الصّفات مع وجود الزّيادة عين الذّات تعالت وتقدّست وهذه الصّفات وإن كانت تفصيل الكمالات المندرجة في حضرة الذّات ولكنّ حكمها ممتاز عن حكم سائر الإجمال والتّفصيل فإنّ الإجمال إنّما يكون في مرتبة ليس فيها تفصيل بل مرتبة التّفصيل دون مرتبة الإجمال وهذا المعنى مفقود في تلك الحضرة فإنّ التّفصيل فيها في عين مرتبة الإجمال وهذه المعرفة وراء طور العقل وإنّما اهتدى إليه النّظر الكشفيّ وعلم الواجب الذي تعلّق بهذه الصّفات في تلك

__________

(١) الآية: ٨ من سورة التحريم.

المرتبة كعلمه بذاته وكمالاته المندرجة في ذاته علم حضوريّ وهذه الصّفات مع وجود زيادتها عين العالم وحضورهما كحضور نفس العالم ومن كمال اتّحادهما بحضرة الذّات قال جمّ غفير من الصّوفيّة بعينيّة الصّفات بالذّات وأنكروا على زيادة الصّفات ومنعوا قولهم: لا هو وأثبتوا قولهم: لا غيره والكمال هو أن يثبت: لا غيره مع وجود التّصديق ب‍: لا هو وأن يسلب الغيريّة مع وجود الزّيادة وهذا الكمال موافق لعلوم الانبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات ومطابق لآراء الفرقة النّاجية أهل السّنّة والجماعة شكر الله سعيهم (ينبغي أن يعلم) أنّ الانكشاف الذّاتيّ في المرتبة الّتي يتعلّق بحضرة الذّات والصّفات المقدّسة من قبيل العلم الحضوريّ فإنّ للصّفات المقدّسة أيضا حكم حضرة الذّات كما مرّ وإنّما قلت إنّه من قبيل العلم الحضوريّ فإنّ العلم الحضوريّ عبارة عن حضور نفس العالم وحيث انّ الصّفات ليست عين العالم ينبغي أن لا يكون علمها علما حضوريّا ولكن لمّا لم تنتزع منها صورة وحضور أنفسها كائن كان علمها من قبيل العلم الحضوريّ والانكشاف الذي يتعلّق بصفة العلم من قبيل العلم الحصوليّ وإنّما قلت: من قبيل العلم الحصوليّ فإنّ العلم الحصوليّ عبارة عن صورة حاصلة من المعلوم في العقل وقد صار محقّقا عند هذا الفقير ومكشوفا انّه لا انتقاش لصورة شيء من الاشياء في علم الواجب جلّ سلطانه وانّ علمه تعالى ليس محلّا لصورة من صور المعلومات فكيف يتصوّر حصول الصّورة في ذات العالم تعالى؟ بل لعلمه سبحانه تعلّق بمعلوم وانكشافه له تعالى من غير أن تثبت صورة من معلوم في العلم وموطن العلم خال من النّقوش ومصفّى من الصّور العلميّة ومع ذلك لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الارض ولا في السّماء ولكن يكون مكشوفا أنّ علمه تعالى إذا تعلّق بمعلوم تنتزع منه بسبب هذا التّعلّق صورة تقوم بعلمه تعالى من غير أن يحدث في العلم شيء من الحلول والحصول فلمّا انتزع من المعلوم بسبب التّعلّق صورة وقامت بالعلم بل بالعالم صحّ كونه من قبيل العلم الحصوليّ فإذا تعلّقت صفة العلم بكمالاته المندرجة في ذاته تعالى تنتزع بهذا التّعلّق من تلك الكمالات صور علميّة وتقوم بالعلم وإن لم يثبت حلولها وحصولها في العلم (فإن قيل) قد أثبت لهذه الصّور العلميّة قياما بصفة العلم ولكن لم يعلم ما محلّ ثبوت هذه الصّور فإنّ المعنى كما أنّه لا بدّ له من القيام بالعين لا بدّ له من محلّيّة العين أيضا (قلت) نعم لا بدّ للمعنى من القيام بالعين ولكن لا حاجة إلى إثبات المحلّ له أصلا فإنّ المقصود من إثبات المحلّ للمعنى إنّما هو إثبات قيامه لا أنّه أمر زائد على القيام فإذا قيل في الجواهر المجرّدة الممكنة الّتي هي كالظّلال لتلك الصّور العلميّة وتلك الصّور مبادي تعيّنات تلك الجواهر إنّها لم يثبت لها محلّ ولا مكان بل لا حاجة إليه أصلا فلا مجال للتّعجّب إن لم يكن لأصول تلك الجواهر المجرّدة محلّ إيّاك وتصوّر هذه الصّور العلميّة أصول تلك الجواهر الّتي بها تقوم الاعراض بل مبادي تعيّناتها فكيف تقاس هي على الاعراض؟ بل نقول في الاعراض أيضا إنّ المقصود من إثبات المحلّ لها إنّما هو لإثبات قيامها بالمحلّ لا انّ المحلّ مقصود بالاستقلال (وتحقيق) ذلك أنّ هذه الصّور العلميّة كائنة في مرتبة الوجوب ولا مجال للمحلّ والمكان هناك ولا يتصوّر فيها غير القيام الا ترى أنّ صفاته تعالى الحقيقيّة قائمة بحضرة ذاته الاقدس ولا حاليّة

هناك ولا محلّيّة وما قالوا من الثبوت الذّهنيّ والخارجيّ فإنّما هو منقسم عليهما في مرتبة الإمكان فإنّه لا مجال في تلك الحضرة للخارج ولا للعلم فإذا لم يكن للوجود فيها مجال كيف يكون للذّهنيّ والخارجيّ اللّذين هما من أقسامه فيها مجال؟ وكيف يتصوّر فيها ظرفيّة العلم والخارج للوجود فهذه الصّور العلميّة تكون ثابتة وقائمة بصفة العلم ولا يكون شيء من الثبوت العلميّ والخارجيّ متحقّقا فيها بل يكون الوجود العلميّ والخارجيّ عارا عليها لكونه من صفات الإمكان وسمات الحدوث فإنّ كلّ ممكن حادث عندهم والوجود وإن كان ثابتا في مرتبة الوجوب ولكن لم يثبت ظرفيّة العلم والخارج لذلك الوجود؛ لانّه لا مجال فيها للظّرفيّة والمظروفيّة (استمع) استماعا كاملا أنّ صورة المعلوم عبارة عن نفس العلم فما يكون معنى حصولها وحلولها في العلم وقال المتأخّرون من الصّوفيّة العليّة: إنّ الصّور العلميّة الّتي هي عبارة عن الاعيان الثابتة وحقائق الممكنات ثبوتها في العلم فقط وفي خارج العلم لم تصل إليها رائحة من الوجود ولكن لمّا وقعت عكوس تلك الصّور العلميّة في مرآة ظاهر الوجود الذي لا موجود في الخارج غيره صارت تتوهّم أنّها موجودة في الخارج كما أنّ الصّورة إذا انعكست في المرآة تتوهّم أنّها في المرآة فيا ليت شعري ما مراد هؤلاء الكبراء؟ وما معنى حصول الصّور في العلم؟ وما الصّور في الشّاهد إلّا نفس العلم وفي الغائب علمه تعالى أزليّ قديم بسيط وحدانيّ تعلّق بمعلومات متكثّرة حصلت من تعلّقه صورة متعدّدة متميّزة لتلك المعلومات من غير أن يثبت حصولها وحلولها في ذلك العلم الازليّ كيف تحصل الصّورة المتعدّدة فيه وهو يستلزم التّبعّض والانقسام للمحلّ؟ وفرض شيء فيه غير شيء وهو يوجب التّركيب المنافي للقدم والازليّة؟ (والعجب) أنّ أرباب المعقول أثبتوا الصّورة الحاصلة من المعلوم في الذّهن واعتقدوا حلولها في الذّهن لا في العلم فإنّ تلك الصّورة عندهم عين العلم لا أنّها حالة في العلم والمتبادر من عبارة متأخّري الصّوفيّة حصول تلك الصّورة في العلم الذي يقولون له باطن الوجود وهو سبحانه أعلم (ينبغي أن يعلم) أنّ تلك الصّورة العلميّة الّتي ثبتت من تعلّق صفة العلم بكمالاته تعالى الذّاتيّة تلوح في النّظر الكشفيّ أنّ لها حياة وعلما والانكشاف المناسب للعلم الحضوريّ بالنّسبة إلى الكمالات المندرجة فيها ثابت لها كما بيّنّا تحقيق هذا المبحث في مكتوب بالتّفصيل فإذا بقي خفاء من غرابة هذه المعرفة واحتيج إلى الاستكشاف والاستفسار فليراجع هناك فإذا اتّضح من البيان السّابق أنّ ذاته تعالى الاقدس وصفاته المقدّسة في مرتبة واحدة وأنّه لم تحدث في تلك الحضرة من كون وجود الصّفات زائدا على وجود الذّات تنزّل وتعيّن أصلا فاعلم أنّ لهذه المرتبة المقدّسة الّتي هي مرتبة حضرة الذّات مع الصّفات ظهورا أوّلا في مرتبة ثانية بلا تبديل ولا تغيير وهو عند هذا الحقير على وجه الكشف والشّهود حضرة الوجود الذي هو خير محض وكمال صرف وفيه قابليّة ظهور جميع الكمالات بطريق الظّلّيّة وهذه الدولة لم تتيسّر لغير الوجود ولهذا لو تعلّق بهذه المرتبة المقدّسة علم وانتزعت كمالاتها كما مرّ يكون أوّل شيء ينتزع من تلك الحضرة حضرة الوجود البتّة والكمالات الاخر تكون توابعه ومن ههنا اعتقد الجمّ الغفير من الصّوفيّة وغيرهم أنّ الوجود عين الذّات وظنّوا تعيّن الوجود لا تعيّنا وثبوت هذا التّعيّن الاسبق ما وراء العلم والخارج كما بيّن تحقيق هذا المعنى في مواضع متعدّدة وحضرة الوجود هذا جامع

لجميع الكمالات الذّاتيّة والصّفاتيّة بطرق الظّلّيّة إجمالا ولهذه المرتبة الجامعة الإجماليّة تفصيل يمكن أن يقال له تعيّنا ثانويّا وأوّل شيء ظهر في مرتبة التّفصيل صفة الحياة الّتي هي أمّ جميع الصّفات وصفة الحياة هذه كأنّها ظلّ صفة الحياة الّتي في مرتبة حضرة الذّات تعالت ولا هو ولا غيره صادق في حقّها بخلاف هذا الظّلّ فإنّه لمّا ظهر في مرتبة وراء مرتبة حضرة الذّات لا يكون لا غيره ثابتا في حقّه البتّة بل يكون متّسما بسمة الغيريّة وبعد صفات الحياة صفة العلم بطريق الظّلّيّة كما مرّ في صفة الحياة وهذه الصّفة جامعة لجميع الصّفات وصفة القدرة والإرادة وغيرهما مع وجود استقلالها كالاجزاء لها فإنّ لهذه الصّفة نوع اتّحاد بحضرة الذّات وليس ذلك الاتّحاد لغيرهما لانّ في صورة العلم الحضوريّ اتّحاد العالم والعلوم والقدرة لم تتّحد بالمقدور والقادر قطّ وهذا الاتّحاد ليس هو أيضا في الإرادة الّتي هي تخصيص أحد المقدورين وعلى هذا القياس وعند هذا الحقير مبدأ تعيّن الخليل على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام التّعيّن الاوّل الذي هو التّعيّن الوجوديّ ومركز هذا التّعيّن الذي هو أشرف أجزائه مبدأ لتعيّن خاتم الرّسل عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بالاصالة كما ذكر تحقيق هذا المبحث في مكتوب بالتّفصيل وحيث انّ ولاية الخليل عليه السّلام ولاية إسرافيليّة يكون مبدأ تعيّن إسرافيل عليه السّلام هو هذا التّعيّن الوجوديّ البتّة ومبدأ تعيّن كلّ نبيّ ورسول بالاصالة حصّة من حصص هذا التّعيّن الاوّل الوجوديّ فلو كان لشخص من الامم نصيب من هذا التّعيّن الوجوديّ ببركة متابعته للانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وكانت حصّة من حصص ذلك التّعيّن أو نقطة من نقط مبدأ تعيّنه فهو مجوّز بل واقع وما لم يكن في هذا التّعيّن مبدأ تعيّن لا يكون للوصول إلى حضرة الذّات بالاصالة مجال ومبادي تعيّنات الملائكة العليّة الذين هم مقرّبوا حضرة الذّات أيضا في هذا التّعيّن الوجوديّ فإنّ الوصول إلى حضرة الذّات مربوط به (ينبغي أن يعلم) أنّ صفة العلم الّتي ظهرت في مرتبة تفصيل التّعيّن الوجوديّ وإن كانت حصّة من حصص ذلك التّعيّن الوجوديّ ولكن لمّا كانت لها جامعيّة صارت كأنّها نفس الوجود جامعة لجميع حصص ذلك التّعيّن ولها أيضا إجمال وتفصيل والإجمال له حكم مركز الدائرة والتّفصيل له حكم المحيط فمركز هذا التّعيّن العلميّ الذي هو إجمال كأنّه ظلّ مركز ذلك التّعيّن الاوّل الوجوديّ وبهذه العلاقة تيقّن جماعة أنّ مبدأ تعيّن خاتم الرّسل على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام إجمال حضرة العلم وليس كذلك بل هذا الإجمال ظلّ مبدأ تعيّنه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام الذي هو مركز التّعيّن الاوّل الوجوديّ كما مرّ وأيضا اعتقدوا إجمال العلم هذا تعيّنا أوّلا واعتقدوا المرتبة الفوقانيّة ولا تعيّنا وظنّوها عين حضرة الوجود نعم إنّها عين الوجود ولكنّها منسوبة إلى التّعيّن كما مرّ لا يخفى أنّ التّعيّن الاوّل وإن كانت حصصه المندرجة فيه مبادي تعيّنات الانبياء الكرام والملائكة العلّيّين العظام عليهم الصّلاة والسّلام ولكن لمّا كان الإجمال كائنا في تلك المرتبة لا يعلم مبادي كلّ منهم بالتّفصيل على حدة ولا تكون مسمّاة باسم ولمّا عرض التّفصيل عليها صارت مبادئ كلّ متميّزة وصار كلّ مبدأ مسمّى باسم على حدة مثلا حصّة من ذلك التّعيّن الاوّل الوجوديّ سمّيت باسم الحياة وحصّة أخرى باسم العلم على هذا القياس وصار مشهودا أنّ اسم الحياة باعتبار جامعيّتها مبدأ لتعيّن الملائكة العلّيّين العظام عليهم السّلام ولمّا كان لروح الله على نبيّنا وعليه

الصّلاة والسّلام مناسبة بالملأ الاعلى كان له نصيب من هذا المقام وحيث انّ للمهديّ عليه الرّضوان مناسبة خاصّة بروح الله فهو أيضا راج من هذا القيام (ينبغي أن يعلم) أنّ كلّ واحد من الصّفات الثمانية الّتي عرض لها التّفصيل في مرتبة التّعيّن الثاني مبدأ لكلّ نبيّ ذي شأن مقتدى به فالعلم مثلا مبدأ تعيّن خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام والقدرة مبدأ تعيّن عيسى عليه السّلام والتّكوين مبدأ تعيّن آدم عليه السّلام وجزئيّات هذه الاسماء الكلّيّة المقدّسة مبادي تعيّنات سائر الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام فكلّ طائفة من هؤلاء الكبراء لها مناسبة باسم خاصّ وبنبيّ مقتدى به كان جزئيّات ذلك الاسم مبادي تعيّناتهم ومبادي تعيّنات الأولياء الذين هم على قدم نبيّ من الانبياء المقتدى بهم عليهم الصّلاة والسّلام جزئيّات لجزئيّات الاسم الذي هو مبدأ لتعيّن ذلك النّبيّ عليه السّلام وكذلك تعيّن سائر المؤمنين جزئيّات الاسم الذي هو مبدأ لتعيّن نبيّ كان هؤلاء على قدمه ومبادي تعيّنات الكفّار متعلّقة باسم المضلّ وممتازة من التّعيّنات المذكورة فإذا علمت مبادي تعيّنات الممكنات فاعلم أنّ تماميّة دائرة الوجوب بانتهاء هذه التّعيّنات إلى منتهاها والشّروع بعد ذلك في دائرة الممكنات ولمّا أراد الحقّ سبحانه من كمال كرمه وإحسانه أن يفيض فيوضاته وإنعاماته على الغير وأن ينشر خزائنه خلق الخلق ووهب لهم من كمالات وجوده وتوابعه من غير أن ينفكّ من هناك شيء ويلحق هنا فإنّ ذلك من سمات النّقص تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا والمقصود من الخلق إفاضة الإنعام والإحسان عليهم لا تكميل الكمالات الاسمائيّة والصّفاتيّة وتتميمها بالتّوسّل بهم حاشاه سبحانه من ذلك وكلّا فإنّ صفاته تعالى كاملة في حدّ ذاتها لا احتياج لها إلى ظهور ومظهر أصلا وكلّ كمال حاصل في تلك الحضرة جلّ شأنها بالفعل لا بالقوّة حتّى يكون حصوله مربوطا بأمر فإن كان في حضرته سبحانه شهود ومشاهدة فهما من نفسه لنفسه تعالى وإن كان علم ومعلوم فهو سبحانه بنفسه عالم وبنفسه معلوم وكذلك هو سبحانه متكلّم في نفسه وسامع بنفسه وجميع الكمالات مفصّلة هناك ومتميّزة لكن بعنوان اللّاكيفيّة فإنّه لا سبيل للكيفيّ إلى اللّاكيفيّ وما هو الخلق حتّى يكون مرآة لكمالاته سبحانه (ع) في أيّ مرآة يكون مصوّرا * وما يكون العالم حتّى يفصّل ذلك الإجمال وحضرته سبحانه تفصيل في عين الإجمال ووسعة في عين الضّيق ولمّا كان التّفصيل والوسعة هناك لا كيفيّين يتوّهم انّ الاجمال لا بدّ له من التّفصيل وهو مربوط بخلق العالم وانّ تكميل ذلك الإجمال بهذا التّفصيل والحقّ أنّ هناك إجمالا وتفصيلا كما مرّ والله واسِعٌ عَلِيمٌ (١).

(ينبغي أن يعلم) أنّ خلق هذا العالم واقع في مرتبة لا مزاحمة بينها وبين تلك المرتبة المقدّسة أصلا ولا مدافعة ووجود أحد الموجودين وإن كان مقتضيا لتحديد وجود الآخر لكنّ هذه القاعدة مفقودة هنا فإنّ وجود العالم لم يحدث تحديدا ولا نهاية لذلك الوجود الاقدس ولم يثبت فيه نسبة ولا جهة أصلا الا ترى أنّ صورة زيد المتوهّمة في المرآة ثبوتها كائن في مرتبة لا مزاحمة بين هذا الثبوت وثبوت زيد الذي هو أصل تلك الصّورة أصلا ولا مدافعة وثبوت هذه الصّورة لم يحدث في ثبوت أصلها تحديدا ولا

__________

(١) الآية: ٢٦١ من سورة البقرة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!