موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(38) المكتوب الثامن والثلاثون صدر أيضا إلى الشيخ محمد الچنرى في بيان التعلق بالذات البحت تعالت وتقدست المنزه عن اعتبار الأسماء والصفات والشئون والإعتبارات وفي مذمة الناقصين الذين زعموا المنزه عن المثل مثليا واللاكيفي كيفيا فتعلقو

 

 


وينبغي أن تؤدّوا الصّلوات الخمس في أوّل أوقاتها غير العشاء وقت الشّتاء فإنّ تأخيرها إلى ثلث اللّيل مستحبّ. والفقير مضطرّ في هذا الأمر لا أريد تأخير أداء الصّلاة عن أوّل وقتها ولو مقدار شعرة والعجز البشريّ مستثنى.

(٣٨) المكتوب الثّامن والثّلاثون صدر أيضا إلى الشّيخ محمّد الچنرىّ في بيان التّعلّق بالذّات البحت تعالت وتقدّست المنزّه عن اعتبار الأسماء والصّفات والشّئون والإعتبارات وفي مذمّة النّاقصين الّذين زعموا المنزّه عن المثل مثليّا واللّاكيفيّ كيفيّا فتعلّقوا به وافتتنوا وبيان تفاوت الأقدام في الفناء المترتّب عليه تفاوت العلوم والمعارف وأمثال ذلك

قد أورث المكتوب الشّريف بوصوله فرحا كثيرا جعلنا الله سبحانه وإيّاكم معه دائما ولا يتركنا بغيره لحظة، وكلّ شيء غير ذاته البحت سبحانه وتعالى معبّر عنه بالغير والسّوى وإن كان ذلك الغير أسماء وصفات، وما قاله المتكلّمون من أنّ صفاته تعالى لا هو ولا غيره له معنى آخر فإنّهم أرادوا بالغير الغير المصطلح ونفوا الغيريّة بهذا المعنى لا بالمعنى المطلق، ونفي الخاصّ لا يستلزم نفي العامّ، ولا يمكن التّعبير عن الذّات بغير السّلوب وكلّ إثبات في مرتبة الذّات إلحاد، وأفضل التّعبيرات وأجمع العبارات فيها لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (١) ومعناه بالفارسيّة: (بي چون وبي چو كونه) ولا سبيل للعلم والشّهود والمعرفة إليه سبحانه، كلّ ما تراه العيون أو وعاه الآذان أو حواه الظّنون فهو غيره تعالى. والتّعلّق به تعلّق بالغير فيلزم نفيه بكلمة لا إله وإثبات الذّات المنزّهة عن المثل بكلمة إلّا الله وهذا الإثبات يكون أوّلا بالتّقليد ثمّ ينقلب أخيرا إلى التّحقيق. وقد زعم بعض أرباب السّلوك الّذين لم يبلغوا نهاية الأمر المثليّ والمكيّف عين المنزّه عن المثل والكيف وقالوا بإمكان تطرّق الشّهود والمعرفة إليه. وأرباب التّقليد أفضل من هؤلاء بمراتب، فإنّ تقليدهم مقتبس من مشكاة أنوار النّبوّة على صاحبها الصّلاة والسّلام ولا سبيل للخطأ إليه، ومقتدى هؤلاء القاصرين الكشف غير الصّحيح. (ع) وشتّان ما بين الطّريقين فانظروا * وهؤلاء الجماعة منكرون للذّات في الحقيقة، وإن أثبتوا شهود الذّات، ولم يدروا أنّ نفس الإثبات هنا هو عين الإنكار، وقد قال إمام المسلمين الإمام الأعظم الكوفيّ رضي الله تعالى عنه: «سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك ولكن عرفناك حقّ معرفتك " وعدم أداء حقّ العبادة ظاهر، وأمّا حصول حقّ المعرفة فمبنيّ على أنّ نهاية

__________

(١) الآية: ١١ من سورة الشورى.

المعرفة في الذّات تعالى شأنها ليست إلّا معرفتها بعنوان لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (١) ولا يظنّ الأبله من ذلك أنّ الخاصّ والعامّ والمبتدئ والمنتهي متساووا الأقدام في هذه المعرفة لعدم تمييزه بين العلم والمعرفة، فإنّ العلم للمبتدئ والمعرفة للمنتهي وهي لا تحصل بدون الفناء ولا تتيسّر هذه الدّولة لغير الفاني. قال المولوىّ في المثنوىّ.

شعر:

ومن لم يكن في حبّ مولاه فانيا ... فليس له في كبرياه سبيل

فتكون المعرفة إذا وراء العلم.

وممّا ينبغي أن يعلم: أنّ وراء العلم والإدراك المتعارف أمرا يعبّر عنه بالمعرفة ويقال له الإدراك البسيط أيضا، (شعر):

خليلي ما هذا بهزل وإنّما ... حديث عجيب من بديع الغرائب

غيره من المثنوىّ (شعر):

إنّ للرّحمن مع أرواح ناس ... اتّصالا دون كيف وقياس

قلت ناسا دون نسناس الفلا ... ليس ناس غير روح في الملا

ولمّا كانت الأقدام متفاوتة في الفناء لا جرم وجد التّفاوت في المعرفة بين المنتهين، فمن كان فناؤه أتمّ تكون معرفته أكمل، ومن كان دونه في الفناء يكون دونه في المعرفة. وعلى هذا القياس سبحان الله انجرّ الكلام من أين إلى أين بل كان اللّائق بحالي أن أكتب من عدم حاصلي وعدم حصول مرادي وعدم ثباتي واستقامتي وطلب المعونة والمدد من الأحباب وأيّ مناسبة لي بأمثال هذه الكلمات. شعر:

من لم يكن خبر له عن نفسه ... هل يقدر الاخبار من هذا وذا

ولكنّ الهمّة العالية والطّينة السّامية لا تتركني أن أقنع ببضاعة دنيّة ودعابة رديّة، فلا جرم أترقّى عن مرتبتي فإذا قلت فمنه أقول وإن كان لا شيئا، وإذا طلبت فإيّاه أطلب وإن لم أجد شيئا، وإن كان لي حاصل فهو حاصلي وإن لم يكن شيئا وإن كنت واصلا فإليه وصولي وإن لم يكن لي حصول. وما وقع في عبارات بعض الأكابر قدّس الله أسرارهم العليّة من الشّهود الذّاتيّ لا يظهر معناه لغير أرباب الكمال وفهمه محال للنّاقصين والقاصرين. شعر

ليس يدرى الأغبيا حال الكرام ... فاقصر الاقوال واسكت والسّلام

__________

(١) الآية: ١١ من سورة الشورى.

وقد حرّر في عنوان المكتوب كلمة “ هو الظّاهر هو الباطن ” أيّها المخدوم إنّ هو الظّاهر هو الباطن صحيح، ولكنّ هذا الفقير لا يفهم من هذا الكلام معنى التّوحيد يعني الوجوديّ من مدّة بل أنا متّفق بالعلماء في فهم معناه وموافقهم في صحّته فإنّ صحّة كلامهم قد صارت معلومة لدىّ فوق صحّة قول أرباب التّوحيد " كلّ ميسّر لما خلق له» (١)، (ع) لكلّ من الإنسان شأن يخصّه *

وما يلزم الإنسان الّذي لا بدّ له منه وهو مكلّف به امتثال الأوامر والإنتهاء عن المناهي وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واِتَّقُوا الله (٢) وإذا كان الإنسان مأمورا بالإخلاص، والإخلاص لا يتصوّر بدون الفناء والمحبّة الذّاتيّة لا جرم ينبغي أن يحصّل مقدّمات الفناء الّتي هي المقامات العشرة والفناء وإن كان نفسه موهبة محضة ولكنّ مقدّماته ومباديه متعلّقة بالكسب، وإن تشرّف البعض بحقيقة الفناء من غير تجشّم كسب منه في مقدّماته وتصفية حقيقته بالرّياضات والمجاهدات وحينئذ لا يخلو حاله من أحد الأمرين، إمّا أن يوقّف في موقف الواقفين، أو يرجع إلى العالم لتكميل النّاقصين. فعلى التّقدير الأوّل لا يقع سيره في المقامات المذكورة ولا يكون له خبر عن تفاصيل التّجلّيات الأسمائيّة والصّفاتيّة. وعلى التّقدير الثّاني يقع سيره في تفاصيل المقامات حين رجوعه إلى العالم ويتشرّف بتجلّيات غير متناهية وتكون له صورة المجاهدة، ولكن هو في كمال الذّوق واللّذّة في الحقيقة بالظّاهر في الرّياضات وبالباطن في التّنعّم واللّذّات (ع) وهذى سعادات تكون نصيب من *

(لا يقال) إنّ الإخلاص إذا كان من جملة المأمورات الواجبة الإمتثال ولم تتحقّق حقيقته بدون الفناء يكون العلماء والصّلحاء والأخبار عاصين بترك الإخلاص لعدم تشرّفهم بحقيقة الفناء لأنّا نقول: إنّ

__________

(١) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله: فَأَمّا مَنْ أَعْطى واِتَّقى، ومسلم في كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله، عن على رضي الله عنه قال: «كنّا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس، فجعل ينكت بمخصرته ثمّ قال: «ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلّا وقد كتب الله مكانها من الجنّة والنّار، وإلّا وقد كتبت شقيّة أو سعيدة، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فقال: من كان من أهل السّعادة فسيصير إلى عمل أهل السّعادة، ومن كان من أهل الشّقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشّقاوة، فقال: اعملوا فكلّ ميسّر، أمّا أهل السّعادة فييسّرون لعمل أهل السّعادة، وأمّا أهل الشّقاوة فييسّرون لعمل أهل الشّقاوة، ثمّ قرأ: فَأَمّا مَنْ أَعْطى واِتَّقى وصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وأَمّا مَنْ بَخِلَ واِسْتَغْنى وكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى».

والحديث أخرجه أيضا: عبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه، وابن جرير الطبري في تفسيره (حديث: ٢٥٤١٥).

شرح الحديث: قال الطّيبيّ: «الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط».

وقال الحافظ في فتح الباري: «وفي الحديث أن الأقدار غالبة والعاقبة غائبة فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال، ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة"

(٢) الآية: ٧ من سورة الحشر.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!