موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(52) المكتوب الثاني والخمسون إلى السيد المذكور أيضا في مذمة النفس الأمارة وبيان مرضها الذاتي وبيان علاج إزالة ذلك المرض

 

 


ركبها نجى ومن تخلّف عنها هلك» (١). فينبغي صرف الهمّة العليا في تحصيل هذه السّعادة العظمى. وقد تيسّر لكم بعناية الله سبحانه وتعالى الجاه والجلال والعظمة والشّوكة كلّها، فإن انضمّت هذه العلاوة إلى هذه المذكورات مع وجود الشّرف الذّاتيّ، فقد أحرزتم قصب السّبق في ميدان السّعادة على جميع الأقران وهذا الفقير متوجّه نحوكم بإرادة إظهار أمثال هذه الكلمات في تأييد الشّريعة الحقّة وترويجها.

ورأوا هلال شهر رمضان في دهلى وفهم غرضي حضرة الوالدة في التّوقّف فتوقّفت بالضّرورة لإستماع ختم القرآن. والأمر عند الله سبحانه وتعالى والمرجوّ من الله حصول سعادة الدّارين.

(٥٢) المكتوب الثّاني والخمسون إلى السّيّد المذكور أيضا في مذمّة النّفس الأمّارة وبيان مرضها الذّاتيّ وبيان علاج إزالة ذلك المرض

قد تشرّفت بمطالعة مكتوب الأخ المكرّم الّذي جعل هذا الدّاعي المخلص ممتازا به على وجه الشّفقة والرّأفة عظّم الله سبحانه أجركم ورفع قدركم وشرح صدركم ويسّر أمركم بحرمة جدّكم الأمجد عليه وعلى آله من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها ثبّتنا الله سبحانه وتعالى على متابعته ظاهرا وباطنا ويرحم الله عبدا قال آمينا. وإنّى أردت أن أحرّر فقرات في الشّكاية من صاحب السّوء والنّديم السّيّء الخلق. فالمرجوّ الإصغاء إليه بسمع القبول فاعلم أيّها المخدوم المكرّم: أنّ النّفس الأمّارة الإنسانيّة مجبولة على حبّ الجاه والرّياسة وجميع همّتها التّرفّع على جميع الأقران، ومتمنّاها بالذّات أن يكون الخلائق كلّهم محتاجين إليها ومنقادين إلى أوامرها ونواهيها ولا تريد أن تكون هي محتاجة إلى الشّيء ومحكومة لأحد أبدا، وهذه كلّها هي دعوى الألوهيّة منها والشّركة مع خالقها المنزّه عن المثل والشّبه جلّ سلطانه، بل هي البعيدة عن السّعادة غير راضية بالشّركة بل تريد أن تكون هي الحاكمة فقط لا غير ويكون الكلّ تحت حكمها وقد ورد في الحديث القدسيّ “ عاد نفسك فإنّها انتصبت لمعاداتي» (٢) فتربية النّفس بإعطاء مراداتها من الجاه والرّياسة والتّرفّع والتّكبّر، إمدادها في الحقيقة لعداوة الله عزّ وجلّ وتقويتها لذلك، فينبغي أنّ يدرك شناعة هذا الأمر جدّا وقد ورد في الحديث القدسيّ ” الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في شيء منهما أدخلته في ناري ولا أبالي» (٣) وإنّما كانت الدّنيا الدّنيّة مبغوضة عند الحقّ سبحانه وملعونة بسبب أنّ حصولها ممدّ ومعاون في حصول مرادات النّفس، فمن أمدّ

__________

(١) أخرجه البزار عن ابن عباس وابن الزبير والحاكم عن أبي ذر سند. (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) قيل هذا من قدسيات داود عليه السلام. (القزاني رحمة الله عليه)

(٣) (وقوله والكبرياء الحديث) أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن ماجه عن ابن عباس أيضا سند. إشارة لما ورد فيه من الأحاديث سند. (القزاني رحمة الله عليه)

العدوّ لا جرم يستحقّ اللّعن والطّرد. وإنّما صار الفقر فخرا محمّديّا (١) عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فإنّ في الفقر عدم حصول مراد النّفس وحصول عجزها. والمقصود من بعثة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام والحكمة في التّكليفات الشّرعيّة هو تعجيز هذه النّفس الأمّارة وتخريبها، وقد وردت الشّرائع لرفع الهوى النّفسانيّ،

وكلّما يعمل شيء بمقتضى الشّريعة يزول من الهوى النّفسانيّ بقدره ولهذا كان فعل شيء من الأحكام الشّرعيّة أفضل في إزالة الهوى النّفسانيّ من رياضات ألف سنة ومجاهداتها الّتي كانت من قبل النّفس، بل هذه الرّياضات والمجاهدات الّتي لم تقع على مقتضى الشّريعة الغرّاء مؤيّدة ومقوّية للهوى النّفسانيّ. ولم تقصر البراهمة والجوكيّة في الرّياضات والمجاهدات شيئا، ولكنّها لمّا لم تكن على وفق الشّريعة لم ينتفعوا بها أصلا ولم يحصل لهم غير تقوية النّفس وتربيتها. فمن صرف مثلا دانقا بنيّة أداء الزّكاة الّتي أمر بها الشّرع فهو أنفع في تخريب النّفس من صرف ألف دينار من قبل نفسه، وكذلك أكل الطّعام يوم عيد الفطر بحكم الشّريعة أنفع في دفع الهوى من صيام سنين من قبل نفسه، وأداء ركعتي الفجر مع الجماعة الّتي هي سنّة من السّنن أفضل من قيام تمام اللّيلة بالنّافلة مع ترك الجماعة في الفجر.

وبالجملة: انّ النّفس ما لم تتزكّ من خبث ماليخوليا دعوى السّيادة والرّفعة فالنّجاة محال، ففكر إزالة هذا المرض ضروريّ كيلا يفضي إلى الموت الأبديّ، وكلمة لا إله إلّا الله الّتي وضعت لنفي الآلهة الآفاقيّة والأنفسيّة أنفع في تزكية النّفس وأنسب لتطهيرها، واختار أكابر الطّريقة قدّس الله أسرارهم لتزكية النّفس هذه الكلمة الطّيّبة،

(شعر): ما دمت لم تضرب بلا عنق السّوى ... في قصر إلّا الله لست بواصل

وما دامت النّفس في مقام البغي والعناد ونقض العهد والفساد ينبغي أنّ يجدّد الإيمان بتكرار هذه الكلمة قال عليه الصّلاة والسّلام «جدّدوا إيمانكم بقول لا إله إلّا الله " بل لا بدّ من تكرار هذه الكلمة في جميع الأوقات، فإنّ النّفس الأمّارة في مقام الخبث دائما. وقد ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في فضائل هذه الكلمة حديث «لو وضعت السّموات والأرض في كفّة الميزان وهذه الكلمة في كفّة

__________

(١) (قوله وإنما صار الفقر الخ) إشارة لما هو دائر بين الناس من قوله صلى الله عليه وسلم (الفقر فخرى) قال ابن حجر وابن تيمية أنه باطل لا أصل له وقد ذكره في الشفاء عن على كرم الله وجهه في حديث طويل بهذا اللفظ على ما في بعض نسخه وبلفظ والعجز فخرى في بعض آخر. قال القارى في شرحه بعد الكلام فيه الحكم بوضعه وبطلانه باعتبار السنة لا باعتبار مبناه المطابق معناه للكتاب يعني قوله تعالى (والله الغني وأنتم الفقراء) انتهى ملخصا سند عفى عنه.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!