موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


تتمة في حكم الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

تتمة في حكم الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

قال في (القول البديع) وأما حكمها فقد قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر رحمه الله أن حاصل ما وقف عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب

أولها: قول ابن جرير الطبري وغيره أنها من المستحبات حملا للأمر في الآية على الندب لا على الوجوب وقد أوَّل بعض العلماء هذا القول بما زاد على المرة الواحدة وهو متعين والله أعلم.

ثانيها: أنها واجبة في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة

قال القاضي أبو محمد بن نصر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الجملة

وقال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن بقوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما].

ثالثها: تجب مرة في العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد وهو محكي عن أبي حنيفة رضي الله عنه

ونقل أيضا عن مالك والثوري والأوزاعي رضي الله عنهم أعني وجوبها في العمر مرة واحدة لأن الأمر المطلق لا يقتضي تكرارا قال القاضي وابن عبد البر وهو قول جمهور الأمة وممن قال به ابن حزم

وقال القرطبي لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وأنها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة

وسبقه ابن عطية فقال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.

رابعها: تجب في القعود آخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحلل.

خامسها: تجب في التشهد الأول وهو قول الشعبي واسحاق ابن راهويه.

سادسها: تجب في الصلاة من غير تعيين لمحل نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر.

سابعها: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد

قاله أبو بكر ابن بكير من المالكية وعبارته افترض الله تعالى على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا ولم يجعل ذلك لوقت معلوم فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل

وعن بعض المالكية قال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض إسلامي جملي غير متقيد بعدد ولا وقت معين والله أعلم.

ثامنها: كلما ذكر صلى الله عليه وسلم قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية والحليمي والشيخ أبو حامد الاسفرائيني وجماعة من الشافعية وقال ابن العربي من المالكية أنه الأحوط

وعبارة الطحاوي تجب كلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكره بنفسه

ومما استدل به لهذا المذهب أعني وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر

الآية الكريمة فإن الأمر للوجوب ويحمل على التكرار أبدا بناء على أن الأمر يدل عليه كما هو أحد الأقوال في الأمر المطلق

ولما ذكر الفاكهاني حديث البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ قال هذا يقوي قول من قال بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر وهو الذي أميل إليه

وقال أبو اليمن بن عساكر أقول والله يقول الحق الذي ينتهي إليه علمي ويتعقله من مفهوم هذه النصوص فهمي أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد البشر واجبة على المكلف إذا سمع ذكره لا كما قال من ادعى أن محمل الآية على الندب ولا كمن زعم أنها تجب مرة في العمر

والدليل على ما قلته الحديث الذي قدمته في أمر جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بالتأمين على الدعاء بالإبعاد لمن ترك الصلاة عليه عند ذكره تعظيما لقدره صلى الله عليه وسلم وتفخيما لأمره فإن معنى الإبعاد عن الله تعالى إبعاد من رحمته أو إبعاد من زلفته وإثابته برفع الدجات وتكفير سيئاته وتضعيف حسناته وغير ذلك من أنواع كرامته وفي فوات ذلك فوات مراتب الإنعام ومن استؤثر عليه في الآخرة بهذه المآثر فقد قام من الحرمان أسوأ مقام وحجب العبد عن الرب سبحانه وبعده عنه أقصى رتب الإنتقام ولذلك قدمه على ذكر العذاب للإحتفال بذكره والإهتمام قال الله تعالى [كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ]

ويؤكد ذلك أن تارك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر قد نظم في سلك عقوق الأبوين والمستحل لانتهاك حرمة شهر الصوم الذي صومه وتعظيمه فرض عين وفي ذلك من تأكد الأدلة على ما قلته لمن أنعم النظر قرة عين

وقد نبأني شيخنا أبو الحسن الهمداني إمام وقته في فنونه رحمه الله عن شيخه إبراهيم ابن جبارة الإمام الأصولي عن شيخه إمام أهل عصره ومظهر مذهب السنة في أمصاره وقطره أبي بكر الطرطوشي أن الأمر في ذلك يقتضي التكرار فيجب أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر وهو مذهب الشيخ أبي الحسن الإسفرائيني. أ. هـ

قال وقد اختلف القائلون بالوجوب كلما ذكر هل هو على العين فيجب على كل فرد فرد أو الكفاية فإذا فعل سقط عن الباقين؟

فالأكثرون قالوا بالأول ومن القائلين بالثاني أبو الليث السمرقندي من الحنفية في مقدمته المعروفة

قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر وتمسك القائلون بالوجوب كلما ذكر

من حيث النقل بأن الأحاديث فيها الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء وغير ذلك مما يقتضي الوعيد فإن الوعيد على الترك من علامات الوجوب

ومن حيث المعنى بأن فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه وإحسانه مستمر فيتأكد إذا ذكر

وتمسكوا أيضا بقوله تعالى [لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً] فلو كان إذا ذكر لا يصلى عليه لكان كآحاد الناس ويتأكد ذلك إذا كان المعنى بقوله دعاء الرسول الدعاء المتعلق بالرسول

قال الحليمي وإذا قلنا بوجوب الصلاة كلما ذكر فإن اتحد المجلس وكان مجلس علم ورواية سنن احتمل أن يقال الغافل عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما جرى ذكره إذا ختم المجلس بها أجزأه لأن المجلس إذا كان معقودا بذكره كان كله حالة واحدة كالذكر المتكرر وإن لم يكن المجلس كذلك فإني أرى أن يصلى عليه كلما ذكر ولا أرخص في تأخيره وذلك إذ ليس ذكره ثم صلى عليه في المستقبل بعد التوبة والإستغفار رجونا أن يكفر عنه ولا يطلق عليه اسم القضاء والله أعلم.

تاسعها: في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره صلى الله عليه وسلم مرارا قال إن صليت عليه مرة واحدة أجزأك.

وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم قال إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس صلى الله عليه وسلم.

عاشرها: في كل دعاء. انتهى كلام القول البديع باختصار.

ومما يناسب ذكره هنا ما أسنده البيهقي من طريق الشافعي رضي الله عنه قال يكره للرجل أن يقول قال الرسول ولكن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما له وسيأتي في الباب الخامس أنها تتأكد وتطلب في مواطن أخرى غير ما ذكر هنا.

وأما حكم التسليم عليه صلى الله عليه وسلم

فقد قال الحافظ السخاوي في الكلام على الآية وليعلم أنه قد ترقى درجة التسليم عليه صلى الله عليه وسلم إلى الوجوب في مواضع:

الأول: في التشهد الأخير نص عليه الشافعي.

الثاني: ما نقله الحليمي أنه يجب التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر.

واستقر رأي الطرطوشي من المالكية على الوجوب

وسوّى ابن فارس اللغوي بينه وبين الصلاة في الفرضية حيث قال فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرض وكذا التسليم لقوله جل ثناؤه [وَسَلِّمُوا تَسْلِيما]

الثالث: يجب بالنذر لأنه من العبادات العظيمة والقربات الجليلة ولم يتعرض أحد من المالكية والحنفية لذلك.

وأما حكم الصلاة والسلام على غيره صلى الله عليه وسلم

فقد قال الإمام النووي في (الأذكار) أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة

وحكم الصلاة على غير الأنبياء

قال بعض أصحابنا هي حرام

وقال بعضهم خلاف الأولى

والصحيح الذي عليه الأكثرون أنها مكروهة كراهة تنزيه لأنها شعار أهل البدع وقد نٌهينا عن شعارهم

قال أصحابنا والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كما أن قولنا عز وجل مخصوص بالله سبحانه وتعالى فكما لا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلا لا يقال أبو بكر أو علي صلى الله عليه وإن كان معناه صحيحا

واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة فيقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه للأحاديث الصحيحة في ذلك وقد أمرنا به في التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضا.

وأما حكم السلام على غيره

فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو في معنى الصلاة

فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال عليّ عليه السلام وسواء في هذا الأحياء والأموات

وأما الحاضر فيخاطب به فيقال سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم وهذا مجمع عليه

قال ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار

وحكم تخصيص بعض العلماء الترضي بالصحابة والترحم في غيرهم لا يوافق عليه

قال و لقمان ومريم ليسا بنبيين فإذا ذكر فالأرجح أن يقال رضي الله عنه أو عنها

وقال بعضهم يقال صلى الله على الأنبياء وعليه أو عليها وسلم

ولو قال عليه السلام أو عليها فالظاهر أنه لا بأس به انتهى ملخصا.

وقال القاضي عياض في (الشفاء)

الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان رحمهما الله تعالى وروي عن ابن عباس وأختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه لا يصلى على غير الأنبياء عند ذكرهم بل هو شيء يختص به الأنبياء توقيرا لهم وتعزيزا

كما يخص الله تعالى عند ذكره بالتنزيه والتقديس والتعظيم ولا يشاركه فيه غيره كذلك يجب تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم ومثله سائر الأنبياء بالصلاة والتسليم ولا يشاركه فيه سواء كما أمر الله بقوله [صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما] ويذكر من سواه من الأئمة وغيرهم بالغفران والرضا كما قال تعالى [يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] قال تعالى [وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ]

وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول كما قال أبو عمران وإنما أحدثته الرافضة والشيعة في بعض الأئمة فشاركوهم عند الذكر لهم بالصلاة وساووهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أيضا في ذلك

وأيضا فإن التشبه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم فيما التزموه من ذلك.

و ذكر الصلاة على الآل والأزواج مع النبي صلى الله عليه وسلم بحكم التبع والإضافة إليه لا على التخصيص

قالوا وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على من صلى عليه مجراها مجرى الدعاء والمواجهة ليس فيها معنى التعظيم والتوقير قالوا وقد قال الله تعالى [لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً].أ. هـ



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!