موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح التلمساني
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية


07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

أعلم أن مسمى الله أحدي بالذات كل بالأسماء. وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل.
وأما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم، لأنه لا يقال لواحد منها شي ء ولآخر منها شيء، لأنها لا تقبل التبعيض. فأحديته مجموع كله بالقوة.
والسعيد من كان عند ربه مرضيا، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد.
ولهذا قال سهل إن للربوبية سرا وهو أنت: يخاطب كل عين- لو ظهر لبطلت الربوبية.
فأدخل عليه «لو» و هو حرف امتناع لامتناع ، وهو لا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه لا وجود لعين إلا بربه.
والعين موجودة دائما فالربوبية لا تبطل دائما. وكل مرضي محبوب، وكل ما يفعل المحبوب محبوب، فكله مرضي، لأنه لا فعل للعين، بل الفعل لربها فيها فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل، فكانت «راضية» بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها، «مرضية» تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته، فإن وفى فعله وصنعته حق ما عليه «أعطى كل شي ء خلقه ثم هدى» أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه، فلا يقبل النقص ولا الزيادة. فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا. وكذا كل موجود عند ربه مرضي.
ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من الكل لا من واحد. فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه، فهو ربه.
ولا يأخذه أحد من حيث أحديته. و لهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية ، فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه، و إن نظرته بك فزالت الأحدية بك، و إن نظرته به و بك فزالت الأحدية أيضا.
لأن ضمير التاء في «نظرته» ما هو عين المنظور، فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا، فزالت الأحدية وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه. ومعلوم أنه في هذا الوصف ناظر ومنظور.
فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان جميع ما يظهر به من فعل الراضي فيه.
ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا.
وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها «ارجعي إلى ربك» فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل، «راضية مرضية».
«فادخلي في عبادي» من حيث ما لهم هذا المقام. فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين: لا بد من ذلك «وادخلي جنتي» التي بها ستري.
وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك. فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي. فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف.
فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها.
فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت.
فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد
فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه فهو مرضي. فتقابلت الحضرتان تقابل الأمثال و الأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة و الشيء لا يضاد نفسه.
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول و ما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى ... بعيني إلا عينه إذ أعاين
«ذلك لمن خشي ربه أن يكونه لعلمه بالتمييز.
دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم.
فقد وقع التمييز بين العبيد، فقد وقع التمييز بين الأرباب.
ولو لم يقع التمييز لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر.
والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك، لكنه هو من وجه الأحدية كما تقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو.
فالمسمى واحد: فالمعز هو المذل من حيث المسمى، والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهم:
فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق
ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق
وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق
تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق
فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي
الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز. «فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله»
لم يقل و وعيده، بل قال «ونتجاوز عن سيئاتهم» مع أنه توعد على ذلك. فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح.
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين
و إن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... و بينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... و ذاك له كالقشر و القشر صاين
قوله: وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة، يعني أن ما له من وجود الله إلا ما به هوا موجود وهذا القدر لا يشاركه فيه أحد بل هو خاص به، وأما تسمية هذا النصيب من الوجود بالرب.
في قوله: إنه ربه فهو على قاعدة الشيخ رضي الله عنه، أن يجعل العبد هو العين الثابتة التي صبغها هذا النصيب من الوجود حتى صارت موجودة، فإذا اعتبرنا ذلك ثبت أن هناك عبدا هذا القسط من وجود الله تعالى هو ربه، فإنه لا يثبت معنى الرب بدون ثبوت معنى العبد للتضایف الذي بين الرب والعبد، والشهود يقتضي أنه ليس نسبة الربوبية إلى الوجود بأولى من نسبتها إلى العين الثابتة، لوجود الافتقار من كل منهما حين يتحول المعنى إلى الآخر وذلك لازم لكل منهما.
وفي هذا يقول رضي الله عنه: الكل مفتقر لا الكل مستغني
قوله: وأما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم، يعني لا يتبعض، لأن المائية في النقطة مثلها في البحر .
وإنما قال الشيخ رضي الله عنه، ذلك مع أن نصيب كل موجود من وجود الله تعالی غیر نصيب الآخر بالعدد لأنه إنما اعتبر حقيقة الأحدية كما مثلناه من أن المائية لا تختلف في النقطة والبحر.
قوله: فأحديته مجموع كله بالقوة.
قلت: ينبغي أن يفهم من قوله: مجموع كله، ما به یشترك المجموع أو ما به يشترك الكل من الوجود الأحدي، وإلا فظاهر المجموع والكل ينصرف إلى التعداد وليس ذلك هو المقصود، بل المقصود ما به يتحد المعدود كالذهبية في الدنانير المعدودة، لأن مثل هذا هو أحدية الجمع لا الجمع.
والمقصود هنا إنما هو الأحدية ثم أخذ، رضي الله عنه، في ذكر إسماعيل وكونه كان عند ربه مرضيا كما ورد في الكتاب العزيز، فذكر كلاما حاصله أن كل أحد سعيد لأنه عند ربه مرضي.
قوله: هو الذي يبقي عليه ربوبيته، يعني أن العبد هو الذي يبقى على ربه" ربوبیته بحقيقة عبوديته، فالعبد بذلك عند ربه مرضي.
ثم أشار رضي الله عنه، إلى قول سهل بن عبد الله التستري: إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية.
قال الشيخ رضي الله عنه: وهو أنت: يخاطب كل عين- لو ظهر لبطلت الربوبية.
ثم قال: إن ذلك السر لا يظهر فلا يبطل الربوبية، وينبغي أن يفهم من قول الشيخ: وهو أنت، معنی أن الحقيقة فيهما واحدة وبهذا تبطل الربوبية، لمحو العبودية التي ببقائها يبقى معنى الربوبية وإلا بطل.
واعلم أن قول الشيخ والعين دائمة، نذكر معناه مشافهة، لما يلزم أن لو ذكرنا شرحه من سوء الأدب مع شيخنا، رضي الله عنه، ولا ريب في أن المسامحة في هذه المواطن تحرم، والمسامحة هنا يجب ولم اعتمدها فتعلم ذلك مني.
قوله: ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا، على ما بيناه، أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر، لأنه ما أخذ الربوبية إلا من كل لا من واحد.
قلت: الذي يظهر أن يكون إنما قال الشيخ: لأنه إنما أخذ الربوبية من واحد ألا من كل وهذا هو وجه الكلام، والذي وجدته في النسخة ما قدمت ذكره وأنا أشرحه على ما أراه صوابا لا على أصل النسخة، فإذن قوله: لأنه ما أخذ الربوبية إلا من واحد وهو ربه الذي هو عنده مرضي، فإذا سخط عليه غيره فله ذلك، وهذه العبارات بعيدة من ظاهر الشرع ونحن إنما اتبعنا فيها الشيخ لا غير، وأما إذا شرح على أصل النسخة .
فمعناه: أن العبد ما أخذ الربوبية إلا من رب هو الكل، لكن ما أخذ من الكل بما هو كل بل بما يناسبه من الكل وهو قسطه من الربوبية المأخوذة من الكل فرجع المعنى إلى أنه ما أخذ إلا من واحد ما عين له القسط المذكور
قال: ولا يأخذ أحد، أي لا يأخذ أحد ربه من حيث الأحدية، فإنها لا نسبة فيها بين شيئين من جهة ما هما شيئان، فإن ذلك هو وجه الكثرة والأحدية تنافي الكثرة.
قال: ولهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية، لما يقتضي التجلي من متجلي ومتجلي له وتجل وهذه كثرة والأحدية لا تناسبها، ثم علل ذلك.
فقال: لأنك إذا نظرت الحق به فهو الذي نظر إلى نفسه بنفسه. قال: وإن نظرته بك فقد أثبت ذاتك معه، فوقعت الاثنينية فذهبت الأحدية.
قال: وكذلك إذا نظرته به وبك.
قال: لأن الضمير الذي هو التاء في قولك نظرته ما هو عين المنظور فلا بد إذن إذا ثبت الضمير من وجود نسبة بين شيئين وذلك ينافي الأحدية.
ثم عاد إلى معنى التوحيد فقال وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه، ومعلوم أنه في هذا الوصف ناظر و منظور معا.
ثم عاد إلى سياق كلامه الأول فقال: فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان فعله كله يرضاه الراضي وقد أجمل الشيخ الكلام هنا ويحتاج إلى البيان
ثم أخذ يبين فضل اسماعيل وألحق به كل نفس مطمئنة من كونها مرضية داخلة في جملة من اقتصر على زبه الذي هو عنه راض وهذا من مسالکه التي انفرد بسلوكها، رضي الله عنه، ثم جعل العبد هو جنة ربه الذي يستره لأن الجنة مشتقة من الجن وهو الستر "
لكن قوله: يسترني كيف يجتمع مع قوله: فلا أعرف إلا بك وأكد ذلك بقوله: فمن عرفك عرفني فأين الستر
ثم غطي الجميع بقوله: فأنا لا أعرف فأنت لا تعرف، ويعني بكونه لا تعرف يعني بالعقل الفكري، وأما بالعقل الالقائي فيعرف وأما معرفته نفسه معرفة أخرى فهي معرفة كشف وشهود، والأولى كانت معرفة استدلال عرف فيها الحق بخلقه وهو قوله حين عرفت ربك بمعرفتك إياها.
قال فيكون صاحب معرفتين: معرفة من حيث أنت وهذه معرفة العوام ومعرفة به" بك من حيث هو لا من حيث أنت وهذه معرفة الخواص.
قوله في الشعر:
فأنت عبد وأنت رب …. لمن له فيه أنت عبد
يعني فأنت عبد لمن أنت ربه، وأنت رب لمن أنت عبده، كأنه يقول: تارة تظهر الحقيقة عليك فينسبك هو إلى أنك ربه وبالعكس.
والبيت الثاني يترتب معناه على ما سبق،
والبيت الثالث هو في المعنى أيضا وتقديره إذا اعتقدت فيه الربوبية انحل عقد نسبتها إليك واتصفت أنت بالعبودية وبالعكس في حقك.
قوله: فرضي الله عن عبيده إلى قوله: والشيء لا يضاد نفسه، معناه أن حضرات الربوبية وحضرات العبودية حصل بينهم التراضي من الأزل إلى الأبد والتضایف بينهما في حقيقة الوجود الواحد حاصل، لأنه ذاتي للواحد فكيف يضاد نفسه ثم ذكر البيتين اللتين بعد هذا في المعنى بعينه فما تحتاجان شرح
و قوله: "ذلك لمن خشي ربه" [البينة: 8] أن یکونه.
يعني ذلك الرضا المذكور هو لمن خشي أن يظهر عليه سلطان الوحدانية الإلهية، فيمحو التمييز مع أنه ثابت، فإن المعز لا يفسر بمعنى المذل، فاختلفت الأسماء و تمایزت الصفات وكذلك تمایزت العبوديات.
قال: والذات واحدة والأسماء مختلفة والأبيات الباقية ظاهرة المعنى مما سبق۔
قوله: الثناء بصدق الوعد إلى قوله: طلب المرجح.
يعني أن اسماعیل صادق الوعد فأثنى الحق عليه بذلك فالحق أولى، والحضرة تطلب الثناء وهو بصدق الوعد لا يصدق الوعيد وهذا القدر مرجح لحصول الموعود به لا حصول المتوعد به، والأبيات تشرح ذلك وحاصلها أن أهل النار يتنعمون فيها، واشتقاق العذاب من العذوبة واللب الطيب لا يضر أن يكون له قشر غير طيب.
.

MhZsYh5HQtg

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!