موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


19. الباب التاسع عشر في القدرة

 

القدرة قوّة ذاتية لا تكون إلاَّ لله، وشأنها إبراز المعلومات إلى العالم العيني ، على المقتضى العلمي فهو مجلى تجلّي، أي مظهر أعيان معلوماته الموجودة من العدم، لأنه يعلمها موجودة من عدم في علمه.

فالقدرة هي القوة البارزة للموجودات من العدم، وهي صفة نفسية بها ظهرت الربوبية ، وهي أعني القدرة عين القدرة الموجودة فينا، فنسبتها إلينا تسمى قدرة حادثة ونسبتها إلى الله تعالى تسمى قدرة قديمة، والقدرة في نسبتها إلينا عاجزة عن الاختراعات، وهي بعينها في نسبتها إلى الله تعالى تخترع الأشياء وتبرزها من كتم العدم إلى شهود الوجود فافهم ذلك،

فإنه سرّ جليل لا يصلح كشفه إلاَّ للذاتيين من أهل الله تعالى.

والقدرة عندنا إيجاد المعدوم، خلافاً للإمام محيي الدين بن العربي فإنه قال: إن الله لم يخلق الأشياء من العدم، وإنما أبرزها من وجود علمي إلى وجود عيني، وهذا الكلام وإن كان له في العقل وجه يستند إليه على ضعف، فأنا أنزّه ربي أن أعجز قدرته عن اختراع المعدوم وإبرازه من العدم المحض إلى الوجود المحض.

وأعلم أن ما قاله الإمام محيي الدين رضي الله عنه غير منكور، لأنه أراد بذلك وجود الأشياء في علمه أولاً.

ثم لما أبرزها إلى العيني كان هذا الإبراز من وجود علمي إلى وجود عيني، وفاته أن حكم الوجود لله تعالى في نفسه قبل حكم وجود لها في علمه.

فالموجودات معدومة في ذلك الحكم ولا وجود فيه إلاَّ لله تعالى وحده، وبهذا صحّ له القدم، وإلاَّ لزم أن تسايره الموجودات في قدمه على كل وجه ويتعالى عن ذلك.

فتحصَّل من هذا أنه أوجدها في علمه من عدم يعني أنه يعلمها في علمه موجودة من عدم، فليتأمل، ثم أوجدها في العين بإبرازها من العلم وهي في أصلها موجودة في العلم من العدم المحض، فما أوجد الأشياء سبحانه وتعالى إلاَّ من العدم المحض.

وأعلم أن علم الحق سبحانه وتعالى لنفسه وعلمه لمخلوقاته علم واحد، فبنفس علمه بذاته يعلم مخلوقاته لكنها غير قديمة بقدمه، لأنه يعلم مخلوقاته بالحدوث؛ فهي في علمه محدثة الحكم في نفسها مسبوقة بالعدم

في عينها.

وعلمه قديم غير مسبوق بالعدم، وقولنا حكم الوجود له قبل حكم الوجود لها ، فات القابلية قبلية حكمية أصلية لا زمانية ، لأنه سبحانه وتعالى له الوجود الأول لاستقلاله بنفسه ، و المخلوقات لها الوجود الثاني لاحتياجها إليه .

فالمخلوقات معدومة في وجوده الأول ، فهو سبحانه أوجد من العلم المحض في علمه اختراعا إلهيا.

ثم أبرزها من العلم العلمي إلى العالم العيني بقدرته، وايجاده للمخلوقات إيجادا من العدم الى العين لا سبيل إلى غير هذا.

ولا يقال بلزم من هذا جهله بها قبل إيجادها في علمه ، إذ ما ثم زمان وما ثم إلا قبلية حطمية أوجبتها الألوهية لعزتها بنفسها واستغنائها في أوصافها عن العالمين.

فليس بين وجودها في علمه وبين عدمها الأصلي زمان، فيقال : إنه كان يجهلها قبل إيجادها في علمه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فافهم.

فإن الكشف الإلهي أعطانا ذلك من نفسه، وما أوردناه في كتابنا إلاَّ ليقع التنبيه عليه نصيحة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، ولا اعتراض على الإمام إذ هو مصيب في قوله على الحدّ الذي ذآرناه، ولو كان مخطئاً على الحكم الذي بيّناه وفوق كل ذي علم عليم.

فإذا علمت هذا فإن القدرة الإلهية صفة بثبوتها انتفى عنه العجز بكل حال، وعلى كل وجه لا يلزم من

قولنا بثبوتها انتفى عنه العجز أن يقال لو لم تثبت لثبت العجز، فإنها ثابتة لا يجوز فيها تقدير عدم الثبوت، فهي ثابتة أبداً والعجز منتف أبداً فافهم.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!