موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


21. الباب الحادي والعشرون في السمع

وفيه قال رحمه الله:

السمع علم الحقّ للأشياء   ......   من حيث منطقها بغير مراء

والنطق فيها قد يكون تلفظاً   ......   ويكون حالاً وهو نطق دعاء

والحال عند اللَّه ينطق بالذي   ......   هو يقتضيه منطق الفصحاء

واعلم أن السمع عبارة عن تجلي الحق بطريق إفادته من المعلوم، لأنه سبحانه وتعالى يعلم كل ما يسمعه من قبل أن يسمعه ومن بعد ذلك.

 فما ثم إلاَّ تجلي علمه بطريق حصوله في المعلوم، سواء كان المعلوم نفسه أو مخلوقاته فافهم.

 وهو لله وصف نفسي اقتضاه لكماله في نفسه، فهو سبحانه وتعالى يسمع كلام نفسه وشأنه كما يسمع كلام مخلوقاته من حيث منطقها ومن حيث أحوالها.

 فسماعه لنفسه من حيث كلامه مفهوم ، وسماعه لنفسه من حيث شؤونه، فهو ما اقتضته أسماؤه وصفاته من حيث اعتباراتها وطلبها للمؤثرات، فإجابته لنفسه هو إبراز تلك المقتضيات وظهور تلك الآثار للأسماء والصفات.

ومن هذا الاستماع الثاني: تعليم الرحمن القرآن لعباده المخصوصين بذاته ، الذين نبه الله تعالي عليهم على لسان النبي صلي الله عليه وسلم الله تعالي عليه وسلم يقوله : "أهل القرآن "أهل الله وخاصته " .

ويسمع العبد الذاتي مخاطبة الأسماء والأوصاف  والذوات فيجيبها إجابة الموصوف للصفات، وهذا السماع الثاني أعزّ من السماع الكلامي.

 فإن الحق كذا أعار عبده الصفة السمعية يسمع ذلك العبد كلام الله، يسمع الله لا يعلم ما هي عليه الأوصاف والأسماع مع الذات في الذات، ولا تتعدد بخلاف السماع الثاني الذي يعلم الرحمن به عباده

القرآن.

 فإذن الصفة السمعية تكون هناك للعبد حقيقة ذاتية غير مستعارة ولا مستفادة.

 فإذا صح للعبد هذا التجلي السمعي نصب له عرش الرحمانية، فيتجلى ربه مستوياً على عرشه، ولولا سماعه أولاً بالشأن لما اقتضته الأسماء والأوصاف من ذات الديان، لما أمكنه أن يتأدّب بآداب القرآن في حضرة الرحمن.

 وهذا كلام لا يفهمه إلاَّ الأدباء الأمناء الغرباء، وهم الأفراد المحققون بسماعهم هذا الكلام الثاني، ليس انتهاء لأن الله تعالي لا نهاية لكلماته.

 وهي في حقهم تنوّعات تجليات فلا تزال تخاطبهم الذات بلغة الأسماء والصفات، ولا يزالون يجيبون تلك المكالمات بحقيقة الذوات إجابة الموصوف للصفات.

وليست هذه الأسماء والصفات مخصوصة بما في أيدينا مما نعرفه من أوصاف الحق وأسمائه، بل ثم لله من بعد ذلك أسماء وأوصاف مستأثرة في علم الحق لمن هو عنده.

فتلك الأسماء المستأثرة هي الشؤون التي يكون الحق بها مع عبده، وهي الأحوال التي يكون العبد بها مع ربه.

فالأحوال نسبتها إلى العبد مخلوقة، والشؤون نسبتها إلى الله تعالى قديمة ، وما تعطيه تلك الشئون من الأسماء و الأوصاف هي المستأثرة في غيب الحق. فافهم هذه النكتة من نوادر الوقت.

وإلى قراءة هذا الكلام الثاني الإشارة إلى النبي صلي الله عليه وسلم  في: { اقرا باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ،اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}1- 5 سورة العلق .

 فإن هذه القراءة قراءة أهل الخصوص وهم أهل القرآن، أعني الذاتيين المحمديين الذين هم أهل الله وخاصته.

أما قراءة الكلام الإلهي وسماعه من ذات الله بسمع الله تعالى، فإنها قراءة الفرقان، وهي قراءة أهل الاصطفاء وهم النفسيون الموسويون، قال الله تعالى لنبيه موسى: {واصطنعتك لنفسي}41 سورة طه.

فمن هنا كنت تلك الطائفة الموسوية نفسيين، بخلاف الطائفة الأولى الذاتيين، قال الله تعالى لمحمد

صلي الله عليه وسلم: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) }سورة الحجر.

 فالسبع المثاني: هي السبع الصفات كما بيّناه في كتابنا المسمى بـ: الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم.

والقرآن العظيم: هو الذات، وإلى هذا المعنى أشار صلي الله عليه وسلم بقوله:فأهل القرآن ذاتيون وأهل الفرقان " أهل القرآن أهل الله وخاصته " نفسيون، وبينهما من الفرق ما بين مقام الحبيب وبين مقام الكليم، والله يقول الحق وهو بكل شيء عليم.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!