موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


22. الباب الثاني والعشرون في البصر

وفيه قال:

بصر الإله محلّ ما هو عالم    ......    ويرى سواء نفسه والعالم

فجميع معلوم له عين له   ......    وعيانه لجميع ذلك دائم

فالعلم عين باعتبار بروزه   ......   عند الشهود وذاك أمر لازم

فيشاهد المعلوم منه لذاته    .......   وشهوده هو علمه المتعاظم

وهما له وصفان هذا غير ذا   .....    إذ ما البصير بواحد والعالم

اعلم، وفّقنا الله وإياك، أن بصر الحق سبحانه وتعالى عبارة عن ذاته باعتبار شهوده للمعلومات، فعلمه سبحانه وتعالى عبارة عن ذاته باعتبار مبدأ علمه، لأنه بذاته يعلم، وبذاته يبصر، ولا تعدد في ذاته، فمحلّ علمه محل عينه فهما صفتان.

 وإن كنا على الحقيقة شيئاً واحداً، فليس المراد ببصره إلاَّ تجلي علمه له في هذا المشهد العياني، وليس المراد بعلمه إلاَّ الإدراك بنظره له في العلم العيني.

 فهو يرى ذاته بذاته، ويرى مخلوقاته أيضا بذاته ، فرؤياه لذاته عين رؤياه لمخلوقاته، لأن البصر وصف واحد.

وليس الفرق الا في المرائي.

فهو سبخانه وتعالي لا يزال يبصر الأشياء ولكنه لا ينتظر الى شيء إلا اذا شاء.

وهنا نكته شريفة فافهمها، فالأشياء غير محجوبة عنه أبدا ، لكنه لا يوقع نظره على سيء إلا اذا شاء ذلك.

ومن هذا القبيل ما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم الله تعالي عليه وسلم أنه قال: "إن لله كذا و كذا نظرة في اليوم الى القلب في كل يوم" . (العلل المتناهية 2/297)

أو ما في معنى ذلك، وقوله سبحانه وتعالى: {  وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ } 77 سورة آل عمران.

ليس من هذا القبيل، بل النظر هنا عبارة عن الرحمة الإلهية التي رحم بها من قرّبه إليه، بخلاف النظر الذي له إلى القلب، فإنه على ما ورد ليس الأمر مخصوصاً بالصفة النظرية وحدها، بل سار في

غيرها من الأوصاف.

ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ }31 سورة محمد، الآية:

ولا تظن أنه يجهلهم قبل الابتلاء تعالى الله، وكذلك في النظر إلى القلب، فهو لا يفقد القلب الذي ينظر إليه كل يوم كذا وإذا نظرة.

 لكن تحت ذلك أسرار لا يمكن كشفها بغير هذا التنبيه، فمن عرف فليلزم، ومن ذهب إلى التأويل إنه لا بد أن يقع في نوع من التعطيل فافهم.

وإعلم أن البصر في الإنسان هو المدركة البصرية الناظرية من شحمة العين إلى الأشياء، فهي كذا نظرت إلى الأشياء من محلها القلبي لا من شحمة العين كانت مسماة بالبصيرة، وهي بعينها بنسبتها إلى الله تعالى

بصره القديم.

وإذا كشف لك عن سرّ ذلك ولا يكشف إلاَّ بالله تعالى رأيت حقائق الأشياء على ما هي عليه، ولم يحتجب كذا عن بصرك شيء.

فافهم. هذا السر العجيب الذي أشرت إليك به في هذه الكلمات، وارفع عن عرش معانيها ذيول الستارات، وردّ أمرك إلى الله تعالى.

وكن أنت بلا أنت ولا أنت، بل يكون الله هو المدبر لك كيفما شاء، أعني كما تقتضيه أوصافه والأسماء، فارم بهذا القشر الساتر، وكل اللباب الزاهر، وافهم حقيقة  { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} سورة الأنعام .


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!