موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


24. الباب الرابع والعشرون في الجلال

إعلم أن جلال الله تعالى عبارة عن ذاته بظهوره في أسمائه وصفاته كما هي عليه على الإجمال.

وأما على التفصيل، فإن الجلال عبارة عن صفات العظمة والكبرياء والمجد والثناء، وكل جمال له فإنه حيث يشتد ظهوره يسمى جلالاً.

 كما أن كل جلال له فهو في مبادئ ظهوره على الخلق يسمى جمالاً، ومن هنا قال من قال:

إن لكل جمال جلالاً، ولكل جلال جمالاً، وإنما بأيدي الخلق أي لا يظهر لهم من جمال الله تعالى إلاَّ جمال الجلال أو جلال الجمال.

وأما الجمال المطلق والجلال فإنه لا يكون شهوده إلاَّ لله وحده.

وأما الخلق فما لهم فيه قدم فإنا قد عبرنا عن الجلال بأنه ذاته باعتبار ظهوره في أسمائه وصفاته كما هي عليه له في حقه، ويستحيل هذا الشهود إلاَّ له.

وعبرنا عن الجمال بأنه أوصافه العلا وأسماؤه الحسنى، واستيفاء أسمائه وأوصافه للخلق محال لأن ثمة أسماءً وأوصافاً له مستأثرات عنده وهي جمال، فظهر بذلك أن ظهور الجمال المطلق والجلال المطلق مختص بالله تعالى.

 وإذا عرفت ذلك فإعلم أن صفات الحق وأسماءه من حيث ما تقتضيه حقائقها على أربعة أقسام:

فقسم منها صفات جمال.

وقسم منها صفات جلال.

 وقسم منها مشترك بين الجمال والجلال، وهي صفات الكمال.

 وقسم منها ذاتية.

 وقد ضمنت هذا الجدول جميع ذلك، وهذه صورته:

الأسماء والصفات الذاتية:

الله ، الأحد ، الواحد، الفرد ، الوتر ، الصمد ، القدُّوس ، الحي ، النور ، الحق .

الأسماء والصفات الجلالية:

الكبير المتعال، العزيز العظيم، الجليل القهار، القادر المقتدر، الماجد الولي ، الجبار المتكبِّر، القابض الخافض ، المذلِّ الرقيب ، الواسع الشهيد ، القوي المتين ، المميت المعيد، المنتقم ذو الجلال ، والإكرام

المانع ، الضارّ الوارث ، الصبور ذو البطش ، البصير الديّان، المعذِّب المفضل، المجيد الذي لم ، يكن له كفواً أحد ، ذو الحول الشديد، القاهر الغيور ، شديد العقاب.

 

الأسماء والصفات المشتركة وهي الكمالية:

الرحمن الملك، الربّ المهيمن، الخالق السميع ، البصير الحكم ، العدل الحكيم ، الوليّ القيُّوم ، المقدم المؤخر ، الأول الآخر ، الظاهر الباطن ، الوالي المتعالي ، مالك الملك المقسط ، الجامع الغني ، الذي ليس كمثله شيء ، المحيط السلطان ، المريد المتكلِّم .

الأسماء والصفات الجمالية:

العليم الرحيم، السلام المؤمن، البارئ المصوِّر، الغفار الوهاب ، الرزاق الفتاح ، الباسط الرافع ، اللطيف الخبير ، المعزّ الحفيظ ، المقيت ، الحسيب الجميل ، الحليم الكريم ، الوكيل الحميد، المبدئ المحيي، المصوِّر الواجد ، الدائم الباقي، البارئ البرّ، المنعم العفوّ، الغفور الرؤوف ، المعني المعطي، النافع الهادي ، البديع الرشيد، المجمل القريب ، المجيب الكفيل، الحنان المنّان ، الكامل الذي لم يلد ، ولم يولد

، الكافي الجواد ذو الطول ، الشافي المعافي .

وإعلم أن لكل اسم أو صفة من أسماء الله تعالى وصفاته أثراً، وذلك الأثر مظهر لجمال ذلك أو جلاله أو كماله.

فالمعلومات مثلاً على العموم أثر اسمه العليم فهي مظاهر علم الحق سبحانه وتعالى، وكذلك المرحومات

مظاهر الرحمة والمسلمات مظاهر السلام.

وما ثم موجود إلاَّ وقد سلم من الانعدام المحض، وما ثم موجود إلاَّ وقد رحمه الله كما بإيجاده أو رحمة

خاصة بعد ذلك.

ولا ثم موجود إلاَّ وهو معلوم لله، فصارت الموجودات بأسرها من حيث الإطلاق مظاهر لأسماء الجمال بأسرها، إذ ما ثمَّ اسم ولا وصف من الأسماء والأوصاف الجمالية إلاَّ وهو يعمّ الوجود من حيث

الأثر عموماً وخصوصاً.

 فالموجودات بأسرها مظاهر جمال الحق، وكذلك كل صفة جلالية تقتضي الأثر كالقادر والرقيب والواسع، فإن أثره شائع في الوجود فصارت الموجودات من حيث بعض الصفات الجلالية مظاهر

الجلال.

 فما ثم موجود إلاَّ وهو صورة لجلال الحق ومظهر له، وثم أسماء جلالية تختص ببعض الموجودات دون بعض كالمنتقم والمعذّب والضارّ والمانع وما شابه ذلك، فإن بعض الموجودات مظاهر لها لا كل الموجودات، بخلاف أسماء الجمال فإن كلا منها يعمّ الوجود، وهذا سرّ قوله : “ سبقت رحمتي غضبي “

فافهم.

وأما الأسماء الكمالية المشتركة فمنها ما هو للمرتبة كإسمه الرحمن والملك والرب ومالك الملك والسلطان والولي.

 فهؤلاء للعموم والوجود بجملته مظهر وصورة لكل اسم من هذه الأسماء، والمراد بقولي بجملته

أنه من كل وجه وبكل اعتبار.

 فالموجودات صورة لكل اسم من أسماء المرتبة، بخلاف أسماء الجمال والجلال، فإن الموجود مظهر لكل اسم منها بوجه واحد ووجوه متعددة منحصرة باعتبار او باعتبارات منحصرة فافهم.

ومن الأسماء المشتركة ما يقتضي أن يكون الوجود بأسره مظهره، ولكن لا من كل الوجوه كإسمه البصير واسمه السميع واسمه الخالق والحكيم وأمثال ذلك .

 ومن الأسماء المشتركة ما لا يقتضي أن يكون ظهور الموجودات على صورتها كإسمه الغني والعدل والقيُّوم وأمثال ذلك.

 فإنها ملحقة بالأسماء الذاتية لكنا جعلناها من القسم المشترك لما فيها من رائحة الجمال والجلال فافهم.

فإذا علمت هذا فإعلم أن العبد الكامل مظهر لهذه الأسماء جميعها المشتركة وغير المشتركة، ذاتية كنت أو جلالية أو جمالية.

 فالجنة مظهر الجمال المطلق، والجحيم مظهر الجلال المطلق.

والداران دار الدنيا ودار الآخرة بما فيهما ما خلا الإنسان الكامل منها مظاهر الأسماء المرتبة بخلاف الأسماء الذاتية، فإن الإنسان وحده مظهرها ومظهر غيرها، فما لغيره من الموجودات فيها قدم البتة، وإليه الإشارة بقوله : "إنا عرضنا الأمانة على السموات و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقتن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " 72 سورة الأحزاب.

وليست الأمانة إلاَّ الحقّ سبحانه وتعالى بذاته وأسمائه وصفاته.

فما في الوجود بأسره من صحت له الجملة إلاَّ الإنسان الكامل.

 ولهذا المعنى أشار عليه الصلاة والسلام بقوله : “ أنزل عليّ القرآن جملة واحدة “  .

فالسماوات وما فوقها وما تحتها والأرض وما تحتها وما عليها من أنواع المخلوقات عاجزة عن التحقق بجميع أسماء الحق وصفاته.

فأَبَيْنَ منها لعدم القابلية وأشفقْنَ لقصورها وضعفها، وحملها الإنسان الكامل إنه كان ظلوماً، أي لنفسه، لأنه لا يمكن أن يعطي نفسه حقها، إذ ذاك منوط بأن يثني على الله حق ثنائه، وقد قال الله تعالى:"وما قدروا الله تعالي حق قدره" 91 سورة الأنعام.

 وكان الإنسان ظلوماً، يعني ظلم نفسه بأنه لم يقدِّرها حق قدرها، ثم اعتذر الحق له في ذلك بأن وصفه بقوله جهولاً، يعني أن قدره عظيم وهو به جهول وله المعذرة كذا لم يقدرها حق قدرها بثنائها على الله

حق الثناء.

ولهذه الآية وجه ثان، وهو أن يكون ظلوماً اسماً للمفعول، فيكون الإنسان ظلوماً أي:

 مظلوماً، لأنه لا يقدر أحد أن يوفي بحقوق الإنسان الكامل لجلالة قدره وعظيم منصبه، فهو مظلوم فيما يعامله به المخلوقات.

وقوله: جهولاً، يعني مجهولاً لا يعلم حقيقته لبعد غوره، وهذا من الحق سبحانه وتعالى اعتذار عن الإنسان الكامل من أجل سائر المخلوقات ليخلصوا من وبال الظلم.

 فيقبل عذرهم إذا كشف لهم الغطاء يوم القيامة عن قدر الانسان الكامل الذي هو عبارة عن ظهور ذات الله تعالي و اسمائه وصفاته.

وسيأتي بيان بعض مراتب الانسان الكامل من هذا الكتاب في محله إن شاء الله تعالي فافهم.

و الله تعالي يقول الحق وهو يهدي السبيل.




 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!