موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


26. الباب السادس والعشرون في الهوية

هوية الحق: غيبه الذي لا يمكن ظهوره ولكن باعتبار جملة الأسماء والصفات، فكأنها إشارة إلى باطن الواحدية.

 وقولي: فكأنها إنما هو لعدم اختصاصها باسم أو وصف أو نعت أو مرتبة أو مطلق ذات بلا اعتبار

أسماء أو صفات، بل الهوية إشارة إلى جميع ذلك على سبيل الجملة والانفراد.

 وشأنها الإشعار بالبطون والغيبوبية، وهي مأخوذة من لفظة هو الذي للإشارة إلى الغائب.

 وهي في حق الله تعالى إشارة إلى كنه  ذاته باعتبار أسمائه وصفاته مع الفهم بغيبوبية ذلك.

 ومن ذلك قولي:

إنّ الهويةَ غيبُ ذاتِ الواحد            ......       ومن المحال ظهورُها في الشاهد

فكأنَّها نعت وقد وقعت على          ......        شأن البطون وما لذا من جاحد

وإعلم أن هذا الاسم أخص من اسمه الله، وهو سرّ للاسم الله.

ألا ترى أن اسم الله ما دام هذا الاسم موجوداً فيه كان له معنى يرجع به إلى الحق.

وإذا فكّ عنه بقيت أحرفه مقيدة المعنى.

 مثلاً إذا حذفت الألف من اسم الله بقي لله ففيه الفائدة.

وإذا حذفت اللام الأولى يبقى “ له “ وفيه فائدة.

 وإذا حذفت اللام الثانية يبقى “ هـ” .

و الأصل في هو أنها هاء واحدة بلا “واو “ وما لحقت بها الواو إلاَّ من قبيل الإشباع، والاستمرار العادي جعلهما شيئا واحدا .

فاسم "هو" أفضل الأسماء.

اجتمعت ببعض أهل الله بمكة زادها الله تعالى شرفاً في آخر سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فذاكرني في الاسم الأعظم الذي قال النبي صلي الله عليه وسلم الله تعالي عليه وسلم  أنه في آخر سورة البقرة وأول سورة كل عمران، وقال كلمة "هو" وأن ذلك مستفاد من ظاهر كلام النبي صلي الله عليه وسلم الله تعالي عليه وسلم  لأن الهاء آخر قوله سورة البقرة، و الواو أول قوله ، وأول سورة آل عمران، وهذا الكلام وإن كان مقبولاً فإني أجد للاسم الأعظم رائحة أخرى .

وما أوردت ما قاله هذا العارف إلاَّ تنبيهاً على شرف هذا الإسم.

وكون الإشارة النبوية وقعت عليه من الجهة المذكورة أنه أعظم الأسماء.
واعلم أن اسم "هو" عبارة عن حاضر في الذهن يرجع إليه بالإشارة من شاهد الحسّ إلى غائب الخيال.

 وذلك الغائب لو كان غائباً عن الخيال لما صحت الإشارة إليه بلفظة “ هو “ إلى الحاضر.

ألا ترى إلى الضمير لا يرجع إلا إلى مذكور إما لفظاً وإما قرينة وإما حالا كالشأن و القصة ، وفائدة هذا أن "هو" يقع على الوجود المحض الذي لا يصح فيه عدم .

ولا يشابه العدم من الغيبوبية والفناء.

لأن الغائب معدوم عن الجهة أي لم يكن مشهودا فيها فلا يصح هذا في المشار اليه بلفظة هو.

فعلم من هذا الكلام أن الهوية هي الوجود المحض الصريح المستوعب لكل كمال وجودي شهودي.

لكن الحكم على ما وقعت عليه الغيبة هو من أجل ذلك غير ممكن بالاستيفاء فلا يمكن استيفاؤه ولا يدرك.

فقبل أن الهوية غيب لعدم الإدراك لها، فأفهم.

لإن الحق ليس غيبه غير شهادته ولا شهادته غير غيبه بخلاف الانسان.

وكل مخلوق كذلك فإن له شهادة وغيبا ، ولكن شهادته من وجه وباعتبار ، وغيبه من وجه واعتبار.

وأما الحق فغيبه عين شهادته ، وشهادته عين غيبه ، فلا غيب عنده من نفسه ولا شهادة .

بل في نفسه غيب يليق به، وشهادة تليق به، كما يعلم ذلك من لنفسه.

ولا يصح تعقل ذلك لنا ، إذ لا يعلم غيبه ولا شهادته على ما هو عليه إلا هو سبحانه وتعالى.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!