موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


28. الباب الثامن والعشرون في الأزل

الأزل عبارة عن معقول القبلية المحكوم بها لله تعالى من حيث ما يقتضيه في کماله.

لا من حیث إنه تقدم على الحادثات بزمان متطاول العهد.

 فعبر عن ذلك بالأزل كما يسبق ذلك إلى فهم من ليس له معرفة بالله.

 تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقد بينا بطلانه فيما سبق من هذا الكتاب.

 فأزله موجود الآن كما كان موجوداً قبل وجودنا، لم يتغير عن أزليته ولم يزل أزلياً في أبد الآباد، وسيأتي بيان الأبد في الباب التالي إن شاء الله تعالى.

 هذا حكم الأزل في حق الله تعالى، وأما الوجود الحادث فله أزل، وهو عبارة عن الوقت الذي لم يكن للحادث فيه وجود.

 

غير موجودين في أزلية الحق، فأزل الحق أزل الأزل، وهو له حكم ذاتي استحقه لکماله .

واعلم أن الأزل لا يوصف بالوجود ولا بالعدم.

 فكونه لا يوصف بالوجود لأنه آمر حکمي لا عیني وجودي، و کونه لای تصف بالعدم لکونه قبل النسبة والحکم والعدم المحض فلا يقبل نسبة ولا حكماً، ولهذا انسحب حكمه فأزل الحق إبده ، وأبده أزله.

واعلم أن أزل الحق الذي هو لنفسه لا يوجد فيه الخلق لا حكماً ولا عيناً، لأنه عبارة عن حكم القبلية لله وحده.

 فلا حكم للخلق في قبلية الحق بوجه من الوجوه.

 ولا يقال إن له في قبلية الحق وجوداً من حيث التعيين العلمي لا من حيث التعيين الوجودي.

 لأنه لو حكم له بالوجود العلمي لزم من ذلك أن يكون الخلق موجودا بوجود الحق ، وقد نبه الحق تعالى على ذلك في قوله : " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا" 1 سورة الانسان .

واتفقت العلماء أن (هل) في هذا الموضوع بمعنى قد، يعني قد أتى على الإنسان حين من الدهر، والدهر هو الله.

 والحين تجل من تجلياته "لم يكن شيئاً" ، يعني أن الإنسان لم يكن شيئاً مذکوراً.

ولا وجود له في ذلك التجلي.

لا من حيث الوجود العيني ولا من حیث الوجود العلمي،  لأنه لم يكن شيئاً مذكوراً، فلم يكن معلوماً.

وهذا التجلي هو أزل الحق الذي لنفسه، وما ورد من أن الله قال في الأزل للأرواح: "الست بربكم قالوا بلى".  فإن ذلك الأزل من أزل المخلوقات.

 ألا تراه يقول: أخرجهم كالذر من ظهر آدم علیه السلام، وتلك عبارة عن حال تعين المعلومات في العالم العلمي.

 فتشبههم بالذرّ للطفهم وغموضهم .

وعنوان قوله لهم: "الست بربكم" 172 سورة الأعراف. هو جعل الاستعداد الإلهي فيهم.

 وقولهم بلى عنوان القابلية التي بها قبلوا أن يكونوا مظهره.

 فما سألهم الحق سبحانه عن كونه ربهم إلا وقد علم ما جعل فيهم من الاستعداد وفطرهم عليه من القابلية أنهم يثبتون ربوبيته ولا ينكرونها.

 فقالوا: بلى، فشهد لهم تعالى في کتابه ليشهد لهم يوم القيامة أنهم مؤمنون بربوبيته موحدون له.

 لأنا شهداء على الناس فلا يقبل منهم يومئذ شهادة الأملاك بكفرهم وجحدهم.

 لأنهم لم يحصل لهم هذا الاطلاع الإلهي بباطن ما کانوا یظنون أنه کفر، فشهادتهم عن غیر تحقيق  وشهادتنا عن تحقيق لأنه أنبأنا بذلك.

 فحجتنا البالغة لأنها حجة الله لخلقه بالسعادة، وحجة الأملاك داحضة لأنهم حكموا بالظاهر وليس للأملاك إلا الظاهر.

ألا تراهم في قصة آدم كيف حكموا عليه بأنه يفسد في الأرض ادعاء أنهم مصلحون لما علموا من تسبيحهم و تقديسهم، وفاتهم باطن الأمر الذي هو عليه آدم من الحقائق الرحمانية والصفات الربانية.

 فلما ظهرت صفات الحق على آدم و أنبأهم بأسمائهم، لأن الصفة العلمية الإلهية محيطة بهم وبغيرهم قالوا: "سبحانك لا علم لنا ما علمتنا "32 سورة البقرة.

 على التقييد بخلاف آدم، فإنه يعلم الأشياء على الإطلاق بعلم إلهي.

 لأنه المراد بالعلم الإلهي.

 وصفات الحق صفاته وذات الحق ذاته.

 فافهم والله المستعان.

 


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!