موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


29. الباب التاسع والعشرون في الأبد

الأبد عبارة عن معقول البعدية لله تعالى، وهو الحكم له من حيث ما يقتضيه وجوده الوجوبي الذاتي.

 لأن وجوده لنفسه قائم بذاته، فلهذا صح له البقاء لأنه غير مسبوق بالعدم.

 فحکم له بالبقاء قبل الممكن و بعده لقيامه بذاته و عدم احتياجه لغيره بخلاف الممكن.

 لأنه ولو كان لا يتناهى فهو محكوم عليه بالانقطاع لأنه مسبوق بالعدم.

 وكل مسبوق بالعدم فمرجعه إلى ما كان عليه. فلا بد أن يحكم عليه بالانعدام.

 وإلا لزم أن يساير الحق تعالى في بقائه، وهذا محال ولو لم يكن كذلك لما صحت البعدية لله.

واعلم أن البعدية والقبلية لله تعالى حكميان في حقه لا زمانيان لاستحالة مرور الزمان عليه، فافهم ما أشرنا إليه.

 فأبد الحق سبحانه وتعالى شأنه الذاتي باعتبار استمرار وجوده بعد انقطاع وجود الممكن.

واعلم أن كل شيء من الممكنات له أبد، فأبد الدنيا بتحوّل الأمر إلى الآخرة وأبد الآخرة بتحوّل الأمر إلى الحق تعالى.

 ولا بد أن يحكم بانقطاع الآباد، آباد أهل الجنة وآباد أهل النار؛ ولو دامت وطال الحكم ببقائها فإن أبدية الحق.

تلزمنا أن نحكم على ما سواه بالانقطاع، فليس لمخلوق أن يسايره في بقائه، وهذا الحكم ولو أنزلناه في هذا الكلام بعبارة معقولة فإنا قد شهدناه كشفاً وعياناً، "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"29" سورة الكهف.
واعلم أن الحال الواحد من أحوال الآخرة، سواء كان من أحوال المرحومين أو من أحوال المعذبين فإن له حكم الأزلية والأبدية.

 وهذا سرّ عزيز يذوقه من وقع فيه ويعلم أنه لا انقطاع له أبداً.

 وهذه حالة واحدة، لكنه قد ينتقل من تلك الحال إلى حال غيرها.

 وقد لا ينتقل فإذا انتقل منه إلى حال آخر غيره كان هذا الحكم الحاله الواقع فيه أيضاً، ولا ينقطع هذا الحكم ولا يختل عن أحوال الآخرة.

 وهذا أمر شهودي ليس للعبد فيه مجال لأنه محل ذلك.

وسيأتي بيان هذا الكلام في موضعه من ذكر الجنة والنار إن شاء الله تعالى.

 فأبد الحق سبحانه وتعالى أبد الآباد، كما أن أزله أزل الآزال.

واعلم أن أبده عين أزله وأزله عين أبده، فإنه عبارة عن انقطاع الطرفين الإضافيين عنه لينفرد بالبقاء بذاته وكونه قبل.

 فيسمى تعقل الإضافة الأولية عنه أزليه ، و وجوده قبل أن تعقل الأولية أزلاً.

 ويسمى انقطاع الإضافة الآخرية عنه أبداً.

 وبقاؤه بعد تعقل الآخرية أبد.

 وهما أعني الأزل والأبد لله وصفان أظهرتهما الإضافة الزمانية لتعقل وجوب وجوده.

وإلا فلا أزل ولا أبد"كان الله ولا شيء معه".

 فلا وقت له سوى الأزل الذي هو الأبد،الذي هو حكم وجوده باعتبار عدم مرور الزمان عليه.

 وانقطاع حکم الزمان دون التطاول إلى مسايرة بقائه.

 فبقاؤه الذي ينقطع الزمان دون مسايرته هو الأبد .

فأفهم.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!