موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


31. الباب الحادي والثلاثون في أيام الله

أيام الحق تجلياته وظهوره بما تقتضيه من أنواع الكمالات، ولكل تجل من تجلياته سبحانه وتعالى حكم إلهي هو المعبر عنه بالشأن.

 ولذلك الحكم في الوجود أثر لائق بذلك التجلي، فاختلاف الوجود أعني تغيره في كل زمان، إنما هو أثر للشأن الالهي الذي اقتضاه التجلي الحاکم على الوجود بالتغيير.

 وهو معنى قوله: "کل يوم هو في شأن". واعلم أن هذه الآية لها معنى ثان راجع إلى الحق.

 فكما أن للتجلي شأناً، ولذلك الشأن في الوجود الحادث أثراً.

 فكذلك لذلك التجلي مقتضى، ولذلك المقتضى في نفس الحق من حیث ذاته تنوع، لأن الحق سېحانه وتعالى ولو کان في نفسه لا يقبل التغير، فإن له في كل تجل تغيراً.

 وهو المعبر عنه بالتحوّل في الصور؛ فعدم التغیر له حکم ذاتي، والتنوع في التجليات له أمر وجودي عیني.

فهو متغیر لا متغیر، بمعنی متنوع لا متنوع، اي متحول في الصور لا متحول في نفسه عما یقتضیه کماله.

 لأنه على ما هو عليه ولا سبيل إلى تغيره عما هو عليه، تعالی الله عن ذلك علؤاً کبیراً.

وهذا سر قوله: "کل يوم هو في شأن"29 سورة الرحمن.

واعلم بأن الحق سبحانه وتعالى إذا تجلى على العبد سمي ذلك التجلي بنسبته إلى الحق شأنا إلهيا.

 وبنسبته إلى العبد حالا.

 ولا يخلو ذلك التجلي من أن يكون الحاكم عليه اسماً من أسماء الله تعالى أو وصفاً من أوصافه.

 فذلك الحاكم هو اسم ذلك التجلي وإن لم يكن له اسم أو وصف مما بأيدينا من الأسماء

والصفات الإلهية فإن حال اسم ذلك الولي المتجلي عليه هو عين الاسم الذي تجلى به الحق علیه .

وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم : "إنه سيحمده يوم القيامة بمحامد لم يحمده بهاً من قبل".

 وقوله: "اللهم إني أسألك بکل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك  ".

 فالأسماء التي سمى بها نفسه هي التي تعرف بها إلى عباده، والتي استأثر بها في غيبه هي التي نبهنا عليها بأنها أسماء أحوال المتجلى عليه بها من عباده، وذلك مستأثر في غيب المتجلي علیه .

و معنى قوله:" أسألك وأدعوك"  هو القيام بما يجب عليه من أدب ذلك التجلي، وهذا لا يعرفه إلا من ذاق المشهد.

وإلا، فإن العقل لا يبلغه من طريق نظره الفكري.

 اللهم إلا أن يكون بإيمان فيكون الإيمان هو الذاهب بالعقل والفاتح للقفل، فعلم من تلك المقدمات أن اليوم هو التجلي الإلهي لاستحالة مرور الأيام المخلوقة عليه.

ألا ترى إلى قوله تعالى: "الذين لا يرجون أيام الله" 3 سورة الجاثية.

 يريد به الذين لا يرجون تجليه عليهم، لأنهم ينكرون وجوده ولا يؤمنون به، فمن أنكر شيئاً وقال بعدمه لا يرجو ظهوره له، وهؤلاء المشار إليهم في الآية الأخرى بقوله: "لا يرجون لقاء الله" لأن لقاءه قربه وتجليه عليهم سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة فافهم.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.



 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!