موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


32. الباب الثاني والثلاثون في صلصلة الجرس

صلصلة الجرس: انكشاف الصفة القادرية عن ساق بطريق التجلي بها على ضرب من العظمة.

 وهي عبارة عن بروز الهيبة القاهرية.

 وذلك أن العبد الإلهي أخذ يتحقق بالحقيقة القادرية برزت له في مباديها صلصلة الجرس.

 فيجد أمراً يقهره بطريق القوّة العظموتية فيسمع لذلك أطيطاً من تصادم الحقائق بعضها على بعض كأنها صلصلة الجرس في الخارج.

 وهذا مشهد منع القلوب من الجرأة على الدخول في الحضرة العظموتية لقوّة قهره للواصل إليها.

 فهي الحجاب الأعظم الذي حال بين المرتبة الإلهية وبين قلوب عباده.

 فلا سبيل إلى انكشاف المرتبة الإلهية إلا بعد سماع صلصلة الجرس.

 ولقد وجدت ليلة أسري بي إلى السموات العلا عند وصولي إلى هذا المقام الأسنى والمنظر الأزهى من الهيبة في هذا المحل ما انحلت له قواي و اضمحلت له تراکیبي و انسحقت اجزائي وانمحقت ترائبي.

 وكنت لا أسمع إلا صلصلة تندك الجبال لهيبته وتخضع الثقلان لعزته.

ولا أبصر إلا سحاباً من الأنوار منهلة بوابل من نار.

وأنا مع ذلك في ظلمات من بحار الذات بعضها فوق بعض، فلا وجود لسماء تحتها ولا أرض.

فسيرات الجبال الراكدة، ورأيت " الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً. وعرضوا على ربك صفا "47 - 48 سورة الكهف .

ولا يزالون كذلك أزلاً وأبداً.

 فقلت: ما للسماء؟

فقيل: "انشقت وأذنت لربها وحقت ". 1- 2 سورة الانشقاق .

 فقلت: وما للأرض؟

فقيل: "مدت وألقت ما فيها وتخلت" 3-4 سورة الانشقاق.

فقلت: وما للشمس؟

فقيل: " کورت والنجوم انکدرت، و الجبال سیرت، و العشار عطلت، والوحوش حشرات، والبحار سجرت، والنفوس زوّجت، والموعودة سئلت، بأي ذنب قتلت، والصحف نشرت، و السماء كشطت" والجحيم سعرت، و الجنة أزلفت."

 فقلت: مالي ؟

فقال الجلالي: "علمت نفس ما أحضرت" وهذه قيامة صغرى نصبها الحق لي مثالاً للقيامة الكبرى لأكون على بينة من ربي فأهدى إليه من هو من حزبي.

 فعند ذلك سأل سائل التدقيق عن ترجمان التحقيق.

 فاستفهمته على عدم الجهل عن الصفات والذات وعن المقام الإلهي الذي هو بعد ذلك باستيفاء ما هناك.

 وعن الإنسان ومن أي وجه يكون كتابة القرآن.

 وكيف الأمر الختام الذي هو عند ذي الجلال والإكرام.

 فضحك بعدما ابتسم ورمز عند تلك العبارات بإشارات في القسم

 فقال: "فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس. والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس. إنه لقول رسول کريم. ذي قوة عند ذي العرش مکین. مطاع ثم آمین" 3 - 4 سورة الانشقاق.

 فقلبت بین عینیه و استوفیت ما أشار إليه:

فكان للوصلِ حكل لا أبوحُ به       .....      فظنَّ ما شئتَ إنَّ الأمرَ متسع

صبّ ومحبوبه في أوج خلوته       .....      ملك ومالكه والجند مجتمع

جلّت عروس التداني فوق مرتبة       .....           من الجلال كما لا طل منهمع

فالأفق دائرة والسحب ماطرة       .....       والرعد زاجرة والبرق ملتمع

فالبحر في زخر والريح في هدر       .....          والنار في شرر والماء يندفع

وسائر الفلك الدوار قام على       .....        ساق ذليلاً لعزّ العزّ ينخضع


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!