موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


45. الباب الخامس والأربعون في العرش

اعلم أن العرش على التحقيق مظهر العظمة ومكانة التجلي وخصوصية الذات، ويسمى جسم الحضرة ومكانها.

 لكنه المكان المنزه عن الجهات الست وهو المنظر الأعلى والمحل الأزهی، والشامل لجميع أنواع الموجودات.

فهو في الوجود المطلق کالجسم للوجود الإنساني، باعتبار أن العالم الجسماني شامل للعالم الروحاني والخيالي والعقلي إلى غير ذلك.

ولهذا عبر بعض الصوفية عنه بأنه الجسم الكلي وفيه نظر، لأن الجسم الكلي وإن كان شاملا لعالم الأرواح.

فالروح فوقه والنفس الكلي فوقه، ولا نعلم أن في الوجود شيئا فوق العرش إلا الرحمن، وقد عبروا عن النفس الكلي بأنها اللوح.

فهذا حكم بأن اللوح فوق العرش، وهو خلاف الإجماع .

على أن من قال من أصحابنا الصوفية:

إن العرش هو الجسم الكلي، لا يخالفنا أنه فوق اللوح، وقد عبر عنه بالنفس الكلي.

ولا شك أن مرتبة النفس أعلى من مرتبة الجسم، والذي أعطانا الكشف في العرش مطلقة، إذ أنزلناه في حكم العبارة.

قلنا بأنه فلك محيط بجميع الأفلاك المعنوية والصورية سطح ذلك الفلك هي المكانة الرحمانية.

ونفس هوية ذلك الفلك هو مطلق الوجود عينية كان أو حکمية، ولهذا الفلك ظاهر و باطن.

فباطنه عالم القدس وهو عالم أسماء الحق سبحانه وتعالى وصفاته، وعالم القدس ومجلاه هو المعبر عنه بالكثيب الذي يخرجون إليه أهل الجنة يوم سوقهم لمشاهدة الحق.

وظاهره عالم الإنس، وهو محل التشبيه والتجسيم والتصوير، ولهذا كان سقف الجنة.

فكل تشبيه وتجسيم وتصوير من كل جسم أو روح أو لفظ أو معنى أو حكم أو عين، فإنه ظاهر هذا الفلك، فمتى قيل لك العرش مطلقة.

فاعلم أن المراد به هذا الفلك المذكور، ومتى قيد بشيء من الصفات، فاعلم

أن المراد به ذلك الوجه من هذا الفلك، كقوله: العرش المجيد، فإن المراد به من عالم القدس المرتبة الرحمانية التي هي منشأ المجد.

وكذلك العرش العظيم، فإن المراد به الحقائق الذاتية والمقتضيات النفسانية التي مكانتها العظمة، وذلك من عالم القدس، وعالم القدس عبارة عن المعاني الإلهية المقدسة عن الأحكام الخلقية والنقائص الكونية.

واعلم أن الجسم في الهيكل الإنساني جامع لجميع ما تضمنه وجود الإنسان من الروح والعقل والقلب وأمثال ذلك.

فهو في الإنسان نظير العرش في العالم فالعرش هيكل العالم وجسده الجامع لجميع متفرقاته.

وبهذا الاعتبار قال أصحابنا: إنه الجسم الكلي، ولا اختلاف بينا لاتحاد المعنى في العبارتين، والله أعلم.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!