موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


25. الباب الخامس والعشرون في الكمال

إعلم أن كمال الله تعالى عبارة عن ماهيته وماهيته غير قابلة للإدراك والغاية فليس لكماله غاية ولا نهاية.

فهو سبحانه وتعالى يدرك ماهيته ويدرك أنها لا تدرك وأنها لا غاية لها في حقه وفي حق غيره، أعني

يدرآها بعد أن يدرآها أن لا تدرك له ولا لغيره لما هي عليه ماهيته في نفسها.

فقولنا: يدرك ماهيته هو ما يستحقه لكمال الإحاطة وعدم الجهل، وقولنا يدرآها أنها لا تدرك له ولا لغيره هو ما يستحقه من حيث كبرياؤه وعدم انتهائه.

لأنه لا يدرك إلاَّ ما يتناهى وهو ليس له نهاية، فإدراك ما ليس له نهاية محال، فإدراكه لماهيته حكمي لاستحقاقه شمول العلم وعدم الجهل بنفسه لا أنه قبلت ماهيته الإدراك بوجه من الوجوه فافهم.

 فهذه مسألة شديدة الغموض فإياك أن تزلق فيها فإنها مقام الحيرة. في هذا المعنى قلت من قصيدة طويلة:

أأحطت خبراً مجملاً ومفصلاً    .....   بجميع ذاتك يا جميع صفاته

أم جُهلَ وجهُك أن يحاطَ بكنهه    .....  فأحطته أن لا يحاط بذاته

حاشاك من غايٍ وحاشا أن يكن    ....   بك جاهلاً ويلاه من حيراته

وإعلم أن كماله سبحانه وتعالى لا يشبه كمال المخلوقات، لأن كمال المخلوقات بمعان موجودة في ذواتهم، وتلك المعاني مغايرة لذواتهم.

وكماله سبحانه وتعالى بذاته لا بمعان زائدة عليه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فكماله عين ذاته ولهذا صحّ له الغنى المطلق والكمال التام.

فإنه سبحانه وتعالى ولو تعلقت به المعاني الكمالية فإنها ليست غيره، فمعقولية الكمال المستوعب له أمر ذاتي لا زائد على ذاته ولا مغاير له.

وليس هو نفس المعقول وليس لسواه هذا الحكم، فإن كل موجود من الموجودات كذا وصفته اقتضى أن يكون وصفه غيره، لأن المخلوق قابل للانقسام والتعدّد.

واقتضى أن يكون وصفه عينه لأنه حكمه الذي ترتب عليه ذاته وحده الذي يترتب منه وجوده.

فقولنا: الإنسان حيوان ناطق، يقتضي أن تكون الحيوانية في نفسها ومعقوليتها مغايرة للإنسان والنطق في نفسه مغاير لكل من الإنسان والحيوانية، واقتضي أيضا أن تكون الحيوانية والنطقية عين الانسان لانه مركب منها، فلا وجود له الا بهما فلا يكون مغايرا لهما، فكان وصف المخلوق غير ذاته من وجه الانقسام والتركيب محال في حقه .

فان صفاته لا يقال انها ليست عينه وليست غير ذاته إلا من حيث ما نعقله نخن من تعدد الأوصاف وتضادها ، وهي اعني صفاته عين ذاته من حيث ماهيته وهويته التي هي عليها في نفسها ، ولا يقال انها ليست عينيه فيتميز عن حكم المخلوق وصيته لا غير ذاته ولا عينها.

وليس هذا الحكم في الحق إلا علي سبيل المجاز.

وهذه المسألة قد أخطأ فيها أكثر المتكلمين، وقد أوردها الإمام محيى الدين ابن عربي موافقا لما قلناه لك،

لا من هذه الجهة ولا بهذه العبارة بل بعبارة أخرى ومعنى آخر، لكنه يخطىء أكثر المتكلمين الذين قالوا: إن صفات الحق ليست عينه ولا غيره، وذكر أن هذا الكلام غير سائغ في نفسه.

وأما نحن فقد أعطانا الكشف الإلهي أن صفاته عين ذاته، ولكن لا باعتبار تعدّدها ولا باعتبار عدم التعدّد، بل شاهدت أمراً يضرب عنه في المثل "ولله المثل الأعلى" 60 سورة النحل.

نقطة هي نفس معقولية الكمالات المستوعبة الجامعة لكل جمال وجلال وكمال على النمط اللائق بالمرتبة الإلهية.

وهي، أعني الكمالات، مستهلكة في وجود النقطة والنقطة مستهلكة في وجود الكمالات، وهي أعني المعبر عنها بالنقطة وبالكمالات في أحديتها يتعقل فيها عدم الانتهاء ويستحيل عليها أولية الابتداء.

وثم أمور أغمض وأدقّ وأعزّ وأجلّ من أن يمكن التعبير عنها.

وكان ما كان مما لست أذكره .....   فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر

وإعلم أن هذا المثال لا يليق بذات المتعال، لأن المثال في نفسه مخلوق فهو على غير المضروب به المثل.

لأن الحق قديم والخلق حادث، والعبارة الفهوانية لا تحمل المعاني الذوقية إلاَّ لمن سبقه الذوق.

فهي مطية له لأنها لا تطيق أن تحمل الأمر على ما هو عليه، ولكنها تأخذ منه طرفاً.

فمن كان يعقوبي الحزن جلى عن بصره العمى بطرح البشير إليه قميص يوسف، ومن لم يكن له ذوق سابق فلا يكاد يقع على المطلوب.

اللهم إلاَّ أن يكون ذا إيمان وتصديق وترك ما عنده وأخذ ما يلقي إليه الحق من التحقيق، فهو المشار إليه "من ألقى السمع وهو شهيد" الآية 37 سورة ق.

يعني يشهد بالإيمان ما يقال له حتى كأنه مشهود له عياناً لقوّة الإيمان.

 فالأول هو المكاشف وهو الذي له قلب .

قال الله تعالي : "إن في ذلك ذكرى لمن كان له قلب ألقى السمع وهو شهيد " 37 سورة ق .


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!