موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


30. الباب الموفي للثلاثين في القدم

القدم عبارة عن حكم الوجوب الذاتي.

 فالوجوب الذاتي هو الذي أظهر اسمه القديم للحق.

 لأن من كان وجوده واجباً بذاته لم يكن مسبوقاً بالعدم.

 ومن كان غير مسبوق بالعدم، لزم أن يكون قديماً بالحكم.

 وإلا فتعالى عن القدم لأن القدم تطاول مرور الزمان على المسمى به.

 تعالی الحق عن ذلك، فقدمه إنما هو الحکم اللازم للوجوب الذاتي، والا فلیس بینه سبحانه و تعالی و بین خلقه زمن ولا وقت جامع.

 بل تقدم حکم وجوده على وجود المخلوقات هو المسمى بالقدم.

 وطرز المخلوق لافتقاره إلى موجد يوجده هو المسمى بالحدوث.

 ولو كان للحدوث معنى ثان وهو ظهور وجوده .

بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً.

 فإن الحدوث الشائع اللازم في حق المخلوق إنما هو افتقاره إلى موجد يوجده.

 فهذا الأمر هو الذي أوجب اسم الحدوث
على المخلوق، فهو ولو كان موجوداً في علم الله فهو محدث في نفس ذلك الوجود.

 لانه فيه مفتقر إلى موجد يوجده، فلا يصح على المخلوق اسم القديم.

 ولو کان موجوداً في العلم الالهي قبل بروزه، لان من حکمه آن یکون موجوداً بغیره فوجوده مرتب على وجود الحق.

 وهذا معنى الحدوث.

 وإلا فالأعيان الثابتة في العلم الإلهي محدثة لا قديمة بهذا الاعتبار، ومن هذا الوجه. وهذه مسئلة أغفلها أئمتنا.

 فلا توجد في كلام واحد منهم إلا ما يعطي الحكم بقدم الأعيان الثابتة، وذلك وجه ثان لاعتبار ثان.

 وهنا أنا أوضحه لك.

 وهو أنه لما كان العلم الإلهي قديماً:

أي محكوماً عليه بالقدم وهو الوجوب الذاتي، لأن صفاته ملحقة بذاته في كل ما يليق بجنابه من الأحكام الإلهية.

 ولأن العلم لا يطلق عليه علم إلا بوجود معلومه، وإلا فيستحيل وجود علم ولا معلوم.

 كما أنه يستحيل وجود كل منهما بعدم العالم کانت المعلومات وهي الاعيان الثابتة ملحقة في حكم القدم بالعلم.

 وكانت معلومات الحق قديمة له محدثة لأنفسها في ذواتها.

 فالتحق الخلق بالحق لحوقاً حكمياً.

 لأن رجوع الوجود الخارجي إلى الحق من حيث الأمر عيني ومن حيث الذات حكمي.

 ولا يفهم ما قلناه إلا الأفراد الكامل.

 فإن هذا النوع من الأذواق الإلهية مخصوص بالمحققين دون غيرهم من العارفين.

 ولما كان هذا القدم في حق المخلوقات أمراً حكمياً والحدوث أمراً عينياً.

 قدمنا ما يستحقونه من حيث ذواتهم على ما ينسبون إليه من حيث الحكم.

 وهو تعلق العلم الإلهي بهم فافهم.

 فقدم الحق أمر حكمي ذاتي وجوبي له، وحدث الخلق أمر حكمي ذاتي وجوبي للمخلوقات.

 فالمخلوقات من حيث هويتها لا يقال فيها إنها حق إلا من حيث الحكم ليدل عليه.

 وإلا فالحق في نفسه منزه أن تلحق به الأشياء من حيث ذاته.

 فما لحقوا به إلا من حيث الحكم.

 وهذا اللحوق ولو لاح للمكاشف العارف أنه لحوق ذاتي.

 فإن ذلك إنما هو على قدر قابلية المكاشف لا على الأمر الذي يعلمه الله من نفسه لنفسه.

 وما أتت ألسنة الشرائع إلا مصرحة بانفراد الحق بما هو له.

 وهذا التشريع هو على ما هو الأمر عليه، لا كما يزعمه من ليس له معرفة بحقيقة الحقائق.

 فإنه يلوح له شيء ويعزب عنه أشياء، فيقول:

 إن التشريع إنما هو القشر الظاهر.

 ولم يعلم أنه جامع للب الأمر وقشره، فقد أدّى الأمانة صلى الله عليه وسلم ونصح الأمة.

 ولم يترك هدى إلا نبه عليه، ولا معرفة إلا هدي إليها، فنعم الأمين الكامل ونعم العلم بالله العامل.

فالقدم أمر حكمي لذات واجب الوجود. والفرق بين الأزل والقدم، أن الأزل عبارة عن معقولية القبلية لله  تعالى.

 والقدم عبارة عن انتفاء مسبوقية الله تعالى بالعدم.

 فالأزل إنما يفيد أنه قبل الأشياء.

 والقدم إنما يفيد أنه غير مسبوق بالعدم في نفس قبيلته على الاشياء.

 فلا يكون الأزل والقدم بمعنى واحد فافهم.

 إن القديمَ هو الوجودُ الواجبُ      .......     والحكمُ للباري بذلك واجبُ

لا تعتبرْ قدمَ الإلهِ بمدةٍ        .......    أو أزمنٍ معقولةٍ تتعاقبُ

فانسبْ له القدمَ الذي هوَ شأنُهُ   ......         منْ آون ذلك حكمُ منْ هُوَ واجبُ

معناهُ أنّ وجودَهُ لا مسبقٌ      ......           بالانعدامِ ولا قطيعٌ ذاهبُ

بل إنَّهُ لغنائِهِ في ذاتِهِ         .......     يسمَّى قديماً وهو حكمٌ دائِبُ


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!