لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الحضرة السابعة عشر حضرة المسألة
هذه الحضرة ، يقع فيها السؤال والجواب ، من الجهتين .
يسأل العبد فيجيب الرب ، ويسأل الرب ، وهو أعلم بما يسأل ، فيجيبه العبد .
وفى هذه الحضرة ، يُعرف العبد ، بمكانته عنده ، فيبسطه ، بسطا تقتضيه تلك المكانة .
ولهذا لما سأل الله ، تعالى ، موسى ، نبيه، صلى الله عليه وسلم ؛ وما تلك بيمينك ، یا موسی ؟
اجابه نبيه، بقوله ؛ هي عصاي ، أتوكأ عليها، وأهش بها على غنمي ، ولي فيها، مآرب أخرى ..
أطنب في الجواب ، لما يقتضيه بسط المقام ، وإلا كان الجواب الكافي ، أن يقول ؛ عصا .. لعلمه بذلك .
فإن المقام ، مقام بسط، يقتضي البسط، و لعلمه بحقيقة المقام .
قال ؛ ربي ، أرني أنظر إليك ... طلب ، صلوات الله عليه، أن يرى ربّه، تعالى ، في حضرة المسألة ، التي تقتضي ، سائلا ومسؤولا ، فلا بدّ من وجود تغاير بينهما .
والربوبيّة تقتضي وجود العبودية.
وتجرده عن المظاهر ، يقتضي نقيض ما تقتضيه الحضرتان ، حضرة الربوبيّة ، وحضرة المسألة ،من التغاير والإثنينيّة.
فقال ؛ لن تراني .. أي في حضرة المسألة.
لتجلي الربوبيّة، مجردا عن المظاهر ، لأن ذلك نقيض عدم المظاهر ، ووجودها ، من وجهة واحدة ، وباعتبار واحد ، في حال واحد ، وهو محال ، ولأجل هذا ، قال له : ولكن ، أنظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه ، عند تجلي ربوبيتي عليه ، فسوف تراني ، لأنك ستنظر ، وتثبت .
والمراد ، إذا ظهرت لك ، في عين المظهر، بحيث كنت ، أنا ، الظاهر، والمظهر، والظهور أمكنك أن تثبت
لرؤياي لأني، أنت …
وأنا لا اتغير عن ظهوري، أي ظهور كان …..
فلما تجلى ربه للجبل ، جعله دكا ، والجبل الان موجود ، فاندكاك الجبل ، عبارة عن إضمحلال الغيرية ، فذهب المسمى بالجبل ، وتجلى من هو عين كل شيء ، في الجبل .
وسرى ذلك التجلي ، في موسى ، صلوات الله وسلامه عليه ، فصعق ، وذهب في المحق ، والطمس، مع الذاهبين ، وكان الحق ، كما لم يزل ، وكان موسى صلي الله عليه وسلم ،كما لم يكن.
فحصل لموسى المطلوب ، في صورة المنع ، وذلك أن الربوبية ، تقتضي العزة ، فامتنع ، ظاهرا ، لما تقتضيه الحضرة ، وكان ذلك المنع ، عين العطاء ، لما يقتضيه الشأن الوحداني ، فإن الواحدية ، لها الهيمنة ، والسريان ، على كل حضرة ، ولهذا يؤول الأمر ، في الآخر ، إليها.
حيث يقول ، سبحانه وتعالى : لمن الملك اليوم؟
وذلك عند ظهوره في مظاهره ، على أنه عينها، فيجيب نفسه ، بنفسه ، لله ، الواحد القهار.
فلو لم يظهر فيها، علي أنه عينها، لاقتضت أن تكون غيره ، وليس ذلك إلا مقام الحجاب .
وقد آن أوانه ، ولو ظهر مجردا عنها ، لما بقي أسم الملك ، لأن الملك يقتضي ، ملكا ، ومملكة ، فظهر سريان الحكم الواحد ، في الملك ، والمملكة ، فافهم .