لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الحضرة الثانية حضرة المنصات
فيها يجلس العبد ، على سرر مرفوعة ، من أكواب موضوعة ، كلها من الأنوار ، وتضرب عليه الأكلة ، وتوضع عليه التيجان ، وقد نصب له منبر للمخاطبة ، وقد يُعرج بروحه إلى السموات ، فيعرفه الحق ، سبحانه ، بعلوم شريفة ، وأسرار منيفة . ومنتهى المنصات ، في هذه الحضرة ، هي المنصة الكبرى ، المشرفة على جميع منصات الملكوت ، وتسمى ؛ الرفرف ، فيه تشرف على الصور الروحانية ، المخلوقة من نور جمال الله تعالى ، فإن لم يكن قويا ، زاغ عقله، و طاش لبه، وإن كان قويا ، وقف معهن ، بالنظر إليهن ، فلا يمكنه أن يصعد ، ولا أن ينزل ، بل يقيم بينهن ، ولا يرتحل ، لانهن يجذبن القلوب بالطبع ، ما لم يكن القلب ، مملؤا بالله تعالى ، وإلى نوع منهن ، أشار الشيخ الإمام محيي الدين بن العربي بقوله :
حسرن انواع الشموس وقلن لي ….. تورع فموت النفس باللحظات
الم تر أن الحسن يسلب من له ……. عفاف فيدعي سالب الحسنات
وهذه الصورة الروحانية ، هي مظهر الجمال المطلق ، فمن اشتغل بها ، انقطع عن مخاطبة الحق ، بكلامهن ، والنظر إليهن ، ولهذا نصحن الشيخ لسبب بعاده ، فقلن له ؛ تورع ، أي عن النظر إلينا . واعلم الله ليس من ترقى هذه المنصات ، بأفضل ممن لا يعرج إليها ، بل هذه خصوصيات إلهية ، يختص بها من يشاء من عباده ، وإن كان الغير أفضل منه ، ففضل الله لا يخفى .