مراتب الوجود
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
المرتبة الخامسة والثلاثون: الفلك المستأثر
من مراتب الوجود هي للفلك المستأثر ، وهو المسمى بالكرة المائية طبعه البرودة والرطوبة . أعلم أن الله تعالى ما جاور بين كل هذه الأفلاك وبين ما يليه ، إلا لنسبة بينهما ، جاور بين الكرة المائية والكرة الهوائية للرطوبة السارية فيهما ، وجاور بين الكرة الترابية والكرة المائية للبرودة السارية فيهما ، وبهذه النسبة يقع تأثير كل منهما في الآخر ولا سبيل إلى أن يؤثر شيء في شيء إلا بوجود نسبة بينهما ، كما أنه لا سبيل لأن يجتمع شيء بشيء إلا لنسبة ، وهذه النسبة إما ذاتية وإما وصفية وإما فعلية ، وكل واحد من هذه الثلاثة إما لازمة وإما عارضة .
بعض الحكماء وبعض المجانين
حكي أنه حكى بعض الحكماء أنه خرج يوماً من بيته فأقبل إليه رجل من المجانين يقبل كفه ، فقال في نفسه ذلك لولا أن بيني وبينه نسبة لما جاء إلي وقبل كفي ، فتأمل في مزاج نفسه فرأى الغلبة فيه للطبيعة السوداوية فقال من ها هنا كان نسبياً لي ، فمكث مدة يعالج نفسه حتى اندفع عنه ذلك الطبع السوداوي .ويحكى عن بعض العلماء ، أنه رأى حمامة وغراباً مجتمعين في مكان واحد فتعجب لذلك لعدم النسبة له بينهما ، فلما أمعن النظر رأى في كل منهما عرجاً في رجله ، فقال من هذه النسبة حصل الاجتماع وتحت هذا علم كبير يلزم أن ينبه له .