موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


47- القصيدة السابعة والأربعين وهي خمسة أبيات من البحر السريع

وقال رضي الله عنه:

1

حَمَامَة الْبَانِ بِذَاتِ الْغَضَا،

***

ضَاقَ لِماَ حَمَّلْتِنِيهِ الْفَضَ

2

مَنْ ذَا الَّذِي يَحْمِلُ شَجْوَ الْهَوَى،

***

مَنْ ذَا الَّذِي يَجْرَعُ مُرَّ الْقَضَ

3

أَقُولُ مِنْ وَجْدٍ وَمِنْ لَوْعَة:

***

يَا لَيْتَ مَنْ أَمْرَضَنِيْ مَرَّضَ

4

مَرَّ بِبَابِ الدَّارِ مُسْتَهْزِئاً

***

مُسْتَخْفِياً مُعْتَجِراً مُعْرِضَ

5

مَا ضَرَّنِي تَعْجِيرُهُ، إِنَّمَ

***

أَضَرَّ بِي مِنْ كَوْنِهِ أَعْرَضَ

شرح البيت الأول:

1

حَمَامَة الْبَانِ بِذَاتِ الْغَضَا،

***

ضَاقَ لِماَ حَمَّلْتِنِيهِ الْفَضَ

يخاطب (بـ"الحمامة") الحكمةَ المنزهة، "بذات الغضا": الكائنة بأحوال المجاهدات والرياضات، كنّى عنها بالغضا. وقوله: "ضاق لِما حَمَّلتنيه الفضا"، أراد ما أُرِيدَ بقوله (تعالى) في الأمانة المعروضة: ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ [الأحزاب: 72]، والذي أراده القائل أيضا بقوله:

ضاحكٌ عن جمانٍ، سافرٌ عن بدرِ

***

ضاق عنه الزمانُ وحواه صدري

شرح الأبيات من الثاني إلى الخامس:

ثم قال:

2

مَنْ ذَا الَّذِي يَحْمِلُ شَجْوَ الْهَوَى،

***

مَنْ ذَا الَّذِي يَجْرَعُ مُرَّ الْقَضَ

3

أَقُولُ مِنْ وَجْدٍ وَمِنْ لَوْعَة:

***

يَا لَيْتَ مَنْ أَمْرَضَنِيْ مَرَّضَ

4

مَرَّ بِبَابِ الدَّارِ مُسْتَهْزِئاً

***

مُسْتَخْفِياً مُعْتَجِراً مُعْرِضَ

5

مَا ضَرَّنِي تَعْجِيرُهُ، إِنَّمَ

***

أَضَرَّ بِي مِنْ كَوْنِهِ أَعْرَضَ

يقول: من ذا الذي يحمل آلام الهوى، ومن ذا الذي يقدر أن يجرع مرّ ما يقضي به الله من الأمور التي لا تُلائم لطبيعة النفس، إلَّا بمعرفة كاملة تحجبه عن تلك المرارة، كما يُحجب الدواء المرّ بما يُلقى فيه من الحلاوة، ليسوغ لشاربه، لتحصل المنفعة.

ثم قال: "أقول من وجد"؛ أي حزن، "ومن لوعة "؛ حرقة الهوى: يا ليت من كان سببا لمرضي يلتزم تمريضي وسياستي، فيكون شفائي وشغلي به عن مرضي بمشاهدته.

وقوله: "مرّ بباب الدار"، يريد الخواطر الإلهية التي تخطر له من جانب الحق، من غير حلول ولا إقامة، بل هي بروق تلوح [انظر في شرح البيت الرابع من القصيدة الثالثة].

وقوله: "مستهزئا"، من قوله تعالى: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: 15]، فلابدَّ من صفات تكون في القلب تعطى حالة استهزاء، وهي مشهورةعند القوم.

وقوله: "مستخفيا"، يقول في الغيب، "معتجرا": إشارة إلى الحجب، "معرضا"، يقول: ينبه على الصفة التي حجبته عني.

وقوله: "ما ضرَّني تعجيره"؛ يقول: لا أُنكر الحُجُب، فإنه لابدَّ منها، وإنما الضرر الذي وجدته في الإعراض، فعلمت أنّ عندي صفة تقتضي ذلك الإعراض، ول أدري ما هي، فأزيلها، إلا أن ينبِّهَني الله عليها، ويوفقني إلى معرفتها، فأسعى في زوالها، فيكون القبول.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!