موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


56- القصيدة السادسة والخمسين وهي ثمانية أبيات من البحر الكامل

وقال رضي الله عنه:

1

القَصْـرُ ذُو الشُّـرُفَاءِ مِنْ بَغْدَادِ

***

لا الْقَصْـرُ ذُو الشُّـرُفَاتِ مِنْ سِنْدَادِ

2

وَالتَّاجُ مِنْ فَوْقِ الرِّيَاضِ كَأَنَّهُ

***

عَذْرَاءُ قَدْ جُلِيَتْ بِأَعْطَرِ نَادِ

3

وَالرِّيحُ تَلْعَبُ بِالْغُصُونِ، فَتَنْثَنِي،

***

فَكَأَنَّهُ مِنْهَا عَلَى مِيعَادِ

4

وَكَأَنَّ دِجْلَةَ سِلْكُهَا فِي جِيدِهَ

***

وّالْبَعْلَ سَيِّدُنَا الإِمَامُ الْهَادِي

5

النَّاصِرُ المَنْصُورُ خَيْرُ خَلِيفَة،

***

لَا يَمْتَطِي فِي الْحَرْبِ مَتْنَ جَوَادِ

6

صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا صَدَحَتْ بِهِ

***

وُرْقاً مُطَوَّقَة عَلَى مَيَّادِ

7

وَكَذَاكَ مَا بَرِقَتْ بُرُوقُ مَبَاسِمٍ

***

سَحَّتْ لَهَا مِنْ مُقْلَتَيَّ عُوَادِ

8

مِنْ خُرَّدٍ كَالشَّمْسِ أَقْلَعَ غَيْثُهَ

***

فَبَدَتْ بِأَنْوَرَ مُسْتَنِيرٍ بَادِي

شرح البيت الأول:

1

القَصْـرُ ذُو الشُّـرُفَاءِ مِنْ بَغْدَادِ

***

لا الْقَصْـرُ ذُو الشُّـرُفَاتِ مِنْ سِنْدَادِ

يقول: الحضرة المعلِّمة من حضرة القطب هو المطلوب لأصحاب الهمم في المقامات، أن ينالوها، لأنها حضرة التصرُّف والاستخلاف والتحكم، ظاهراً وباطناً، "لا القصر ذو الشرفات من سنداد"، يقول: لا هذه المملكة الدنيوية، التي لا يدري مالكها ما يُراد به، ولا يُفرِّق بين عدوِّه وحبيبه، ويخاف من دخول الخلَل عليه، ويحتاج إلى الآراء ومشورة العقلاء في تدبيره، لئلا يختلَّ عليه مُلكه.

شرح البيت الثاني:

ثم قال:

2

وَالتَّاجُ مِنْ فَوْقِ الرِّيَاضِ كَأَنَّهُ

***

عَذْرَاءُ قَدْ جُلِيَتْ بِأَعْطَرِ نَادِ

يقول: و"التاج"، يريد الملك، "من فوق الرياض": ما يحمله من المعارف، فكأنهذا الملك عذراء مجلوة في روضة طيبة الروائح، فتكون معشوقة للنفوس، و(كأنَّه) يقول: المُلك والعِلم لا شيء أحسن منه!

شرح البيت الثالث:

ثم قال:

3

وَالرِّيحُ تَلْعَبُ بِالْغُصُونِ، فَتَنْثَنِي،

***

فَكَأَنَّهُ مِنْهَا عَلَى مِيعَادِ

يقول: والهِمم تتعلَّق بالقيومية الإلهية، فيعطفها عليه، جوداً ومنّة؛ فكأنَّهما متواعدان على ذلك، لَمَّا رأوا أنَّ تعلُّقَها لا يخيب، وأنها مهم تعلَّقَت انعطفت عليها.

شرح البيت الرابع:

ثم قال:

4

وَكَأَنَّ دِجْلَةَ سِلْكُهَا فِي جِيدِهَ

***

وّالْبَعْلَ سَيِّدُنَا الإِمَامُ الْهَادِي

يقول: وكأن مقام الحياة، في جِيد هذا المقام، سِلكاً؛ فلا ينظر إلى شيء إلا حيي به ذلك الشيء، إمَّا حياةً علمية، أو حِسِّية، أو عملِيِّة. ولَمَّا وصف المملكة بما توصف به النساء، احتاج إلى بَعْل، فذكر الإمام الذي هو الغَوْثُ وقطبُ العالَم، الذي عليه مداره، وبيده مصالحه، وسمَّاه: "الهادي" للتخلُّقالذي عنده.

شرح البيت الخامس:

ثم قال:

5

النَّاصِرُ المَنْصُورُ خَيْرُ خَلِيفَة،

***

لَا يَمْتَطِي فِي الْحَرْبِ مَتْنَ جَوَادِ

يقول: إنه "ناصرٌ" مِن حيث الهِمَّة، و"منصورٌ" من حيث العناية الإلهية، وقوله: "لا يمتطي في الحرب متن جواد"، يقول: نزوله عن هذا المركب الطبيعي، ومفارقته له بوقوفه على حقيقته، من حيث نسبته لربِّه، ومن ذلك الوجه الذي يكون له به الشرف عنده.

شرح الأبيات السادس والسابع والثامن:

ثم قال:

6

صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا صَدَحَتْ بِهِ

***

وُرْقاً مُطَوَّقَة عَلَى مَيَّادِ

7

وَكَذَاكَ مَا بَرِقَتْ بُرُوقُ مَبَاسِمٍ

***

سَحَّتْ لَهَا مِنْ مُقْلَتَيَّ عُوَادِ

8

مِنْ خُرَّدٍ كَالشَّمْسِ أَقْلَعَ غَيْثُهَ

***

فَبَدَتْ بِأَنْوَرَ مُسْتَنِيرٍ بَادِي

يدعو لهذا الإمام، وإن كان أعلى منه، كما أُمِرنا بالصلاة على محمَّد، والدعاءِ له بالوسيلة، مع كونه أرفع منَّا عند ربِّه، بل لا مناسبة في الرفعة!

وقوله: "ما صدحت به"، أي ما ذَكَرَتْه نفسٌ "مطوَّقَة": محصورَةٌ في عالم الطبيعة، "على ميَّاد": إشارة إلى هذا الجسم الذي هو لهاكالغصن للطائر المغرِّد عليه.

وقوله: "وكذاك ما بَرِقت"، يقول: وكذلك (صلى عليه الله) ما لاحت له أنوار المشاهدة الفهوانية من الجناب العزيز فبكت لها عيني فرحاً، أي جرت الدموع لذلك من الفرح والسرور، فقد تجري الدموع للسرور من غير بكاء، ولا يكون البكاء إلا مع الحزن.

وقوله: "من خرَّد"، البيت بكماله، (وهو متابعة لِمَا في البيت الذي سبقه) يعني من أحول من مقام الحياء، كالشمس إذا ظهرت بعد ارتفاع الغيث، فيصفو الجو من الغبار، فيكون النور أخلص وأصفى، يقول: فنورها مثل هذا النور، وإن كان الممثَّلُ به دونه في المرتبة.

فالله قد ضرب الأقل لنوره

***

مثلا من المشكاة والنبراس



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!