الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف
60- القصيدة الستين وهي ثلاثة أبيات من البحر البسيط
وقال رضي الله عنه:
1 | أَلْـمِمْ بَمَنْزِلِ أَحْبَابٍ لَهُمْ ذِمَمُ | *** | سَحَّتْ عَلَيْهِمْ سَحَابٌ صَوْبُهَا دِيَمُ |
2 | وَاسْتَنْشِقِ الرِّيحَ مِنْ تِلْقَاءِ أَرْضِهِمُ | *** | شَوْقاً لِتُخْبِرَكَ الْأَرْوَاحُ أَيْنَ هُمُ |
3 | أَظُنُّهُمْ خَيَّمُوا بِالْبَانِ مِنْ إِضَمٍ | *** | حَيْثُ الْعَرَارُ وَحَيْثُ الشِّيحُ وَالْكَتَمُ |
شرح الأبيات الثلاثة:
يقول: انزل "بمنزل أحباب"، يريد الأرواح العلوية، "لهم ذمم": عهود، وقد يريد أخذ المواثيق الإلهية المأخوذة على أرواح الأنبياء عليهم السلام، "سحّت عليهم"، يقول: سكبت على ذلك المنزل "سحابٌ"، يعني مِن المعارف، "صوبها دِيَم": تنَزُّلاتها دائمة.
وقوله: "واستنشق الريح من تلقاء أرضهم"، معناه (في قول النبي صلى الله عليه وسلم:) «إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمٰنِ مِنْ قِبَلِ اليَمَن» [كنز العمال: 33951]، "شوقاً": يريد محبة، "لتخبرك الأرواح"، يريد عالم الأنفاس، "أين هم" من المقامات، فإنه قال (الله تعالى) فيهم: ﴿وَمَا مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: 164].
وقوله: "أظنهم"؛ أعلم أنهم، و"الظنّ" هنا بمعنى اليقين، كما قال الشاعر (دريد بن الصمَّة): "قلت لهم: ظنُّو بألفيمذحج"، وقال تعالى: ﴿وَظَنُّوا أَنْ لَ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّ إِلَيْهِ﴾ [التوبة: 118] يريد تيقنوا. وقوله: "خيموا بالبان"، أي نزلوا بمقام الظهور والتنزيه، "من إضم": موضع بالحجاز، يريد القصور الإلهية، "حيث العرار وحيث الشيح والكتم"، يقول: حيث الأعرار الطيبة من المناظر الحسان، فإنّ طيب الروائح من الروضات أحسن من غيرها، للجمع بين الرائحة الطيبة والمنظر الحسن والهواء الطيب.