The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأعراف: [الآية 173]

سورة الأعراف
أَوْ تَقُولُوٓا۟ إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنۢ بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴿173﴾

تفسير الجلالين:

«أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل» أي قبلنا «وكنا ذريَّة من بعدهم» فاقتدينا بهم «أفتهلكنا» تعذبنا «بما فعل المبطلون» من آبائنا بتأسيس الشرك، المعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد، والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)

«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» وهم الملائكة المقربون «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» يقول : يذلون ويخضعون له «وَيُسَبِّحُونَهُ» أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم اللّه في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَلَهُ يَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ وجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال اللّه تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي

أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائكة ، فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ، وهكذا في كل سجدة ترد .

(8) سورة الأنفال مدنيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(206) الفتوحات ج 1 / 509

تفسير ابن كثير:

يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم ، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو . كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) [ الروم : 30 ] وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية : على هذه الملة - فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " وفي صحيح مسلم ، عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله [ تعالى ] إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم ، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم "

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني السري بن يحيى : أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم ، عن الأسود بن سريع من بني سعد ، قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات ، قال : فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتد عليه ، ثم قال : " ما بال أقوام يتناولون الذرية ؟ " قال رجل : يا رسول الله ، أليسوا أبناء المشركين ؟ فقال : " إن خياركم أبناء المشركين ! ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها " . قال الحسن : والله لقد قال الله في كتابه : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ) الآية

وقد رواه الإمام أحمد ، عن إسماعيل ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن البصري به . وأخرجه النسائي في سننه من حديث هشيم ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : حدثنا الأسود بن سريع ، فذكره ، ولم يذكر قول الحسن البصري واستحضاره الآية عند ذلك

وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم ، عليه السلام ، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين و [ إلى ] أصحاب الشمال ، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم .

قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ؟ " قال : " فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي " .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث شعبة ، به

حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا جرير - يعني ابن حازم - عن كلثوم بن جابر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم ، عليه السلام ، بنعمان . يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ، ثم كلمهم قبلا قال : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) إلى قوله : ( المبطلون )

وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من سننه ، عن محمد بن عبد الرحيم - صاعقة - عن حسين بن محمد المروزي ، به . ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد به . إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفا . وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد وغيره ، عن جرير بن حازم ، عن كلثوم بن جبر ، به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبير هكذا قال ، وقد رواه عبد الوارث ، عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، فوقفه وكذا رواه إسماعيل ابن علية ووكيع ، عن ربيعة بن كلثوم ، عن جبير ، عن أبيه ، به . وكذا رواه عطاء بن السائب ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعلي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله ، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس فهذا أكثر وأثبت ، والله أعلم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن أبي هلال ، عن أبي جمرة الضبعي ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : أخرج الله ذرية آدم [ عليه السلام ] من ظهره كهيئة الذر ، وهو في آذي من الماء .

وقال أيضا : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، حدثنا أبو مسعود عن جوبير قال : مات ابن للضحاك بن مزاحم ، [ وهو ] ابن ستة أيام . قال : فقال : يا جابر ، إذا أنت وضعت ابني في لحده ، فأبرز وجهه ، وحل عنه عقده ، فإن ابني مجلس ، ومسئول . ففعلت به الذي أمر ، فلما فرغت قلت : يرحمك الله ، عم يسأل ابنك ؟ من يسأله إياه ؟ قال : يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم . قلت : يا أبا القاسم ، وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم ؟ قال : حدثني ابن عباس [ رضي الله عنه ] ; أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلبه . فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به ، نفعه الميثاق الأول . ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به ، لم ينفعه الميثاق الأول . ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر ، مات على الميثاق الأول على الفطرة

فهذه الطرق كلها مما تقوي وقف هذا على ابن عباس ، والله أعلم .

حديث آخر : وقال ابن جرير : حدثنا عبد الرحمن بن الوليد ، حدثنا أحمد بن أبي طيبة ، عن سفيان بن سعيد ، عن الأجلح ، عن الضحاك وعن - منصور ، عن مجاهد - عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : " أخذ من ظهره ، كما يؤخذ بالمشط من الرأس ، فقال لهم : ( ألست بربكم قالوا بلى ) قالت الملائكة ( شهدنا أن يقولوا ) يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين

أحمد بن أبي طيبة هذا هو : أبو محمد الجرجاني قاضي قومس ، كان أحد الزهاد ، أخرج له النسائي في سننه ، وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه . وقال ابن عدي : حدث بأحاديث أكثرها غرائب .

وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، قوله ، وكذا رواه جرير ، عن منصور ، به . وهذا أصح والله أعلم .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا روح - هو ابن عبادة - حدثنا مالك ، وحدثنا إسحاق ، أخبرنا مالك ، عن زيد بن أبي أنيسة : أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، أخبره ، عن مسلم بن يسار الجهني : أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) الآية ، فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عنها ، فقال : " إن الله خلق آدم ، عليه السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون " . فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة ، استعمله بأعمال أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة . وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله به النار " .

وهكذا رواه أبو داود عن القعنبي - والنسائي عن قتيبة - والترمذي عن إسحاق بن موسى ، عن معن . وابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب . وابن جرير من حديث روح بن عبادة وسعيد بن عبد الحميد بن جعفر . وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، من رواية أبي مصعب الزبيري ، كلهم عن الإمام مالك بن أنس ، به

قال الترمذي : وهذا حديث حسن ، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر . وكذا قاله أبو حاتم وأبو زرعة . زاد أبو حاتم : وبينهما نعيم بن ربيعة .

وهذا الذي قاله أبو حاتم ، رواه أبو داود في سننه ، عن محمد بن مصفى ، عن بقية ، عن عمر بن جعثم القرشي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يسار الجهني ، عن نعيم بن ربيعة قال : كنت عند عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] وقد سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) فذكره

وقال الحافظ الدارقطني : وقد تابع عمر بن جعثم بن زيد بن سنان أبو فروة الرهاوي ، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك ، والله أعلم

قلت : الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر " نعيم بن ربيعة " عمدا ; لما جهل حاله ولم يعرفه ، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ، وكذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ; ولهذا يرسل كثيرا من المرفوعات ، ويقطع كثيرا من الموصولات ، والله أعلم .

حديث آخر : قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله [ عز وجل ] آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ، ثم عرضهم على آدم ، فقال : أي رب ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك . فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك ، يقال له : داود . قال : رب ، وكم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة . قال : أي رب ، زده من عمري أربعين سنة . فلما انقضى عمر آدم ، جاءه ملك الموت قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد آدم فجحدت ذريته ، ونسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ آدم فخطئت ذريته " .

ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ورواه الحاكم في مستدركه ، من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين ، به . وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره ، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنه حدثه عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو ما تقدم ، إلى أن قال : " ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم ، هؤلاء ذريتك . وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى ، وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب ، لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال : كي تشكر نعمتي . وقال آدم : يا رب ، من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا ؟ قال : هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذريتك " . ثم ذكر قصة داود ، كنحو ما تقدم

حديث آخر : قال عبد الرحمن بن قتادة النصري عن أبيه ، عن هشام بن حكيم ، رضي الله عنه ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أتبدأ الأعمال ، أم قد قضي القضاء ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ، ثم أشهدهم على أنفسهم ، ثم أفاض بهم في كفيه " ثم قال : " هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة ، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار " .

رواه ابن جرير ، وابن مردويه من طرق عنه

حديث آخر : روى جعفر بن الزبير - وهو ضعيف - عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشمال بشماله ، فقال : يا أصحاب اليمين . فقالوا : لبيك وسعديك . قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . قال : يا أصحاب الشمال . قالوا : لبيك وسعديك . قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ثم خلط بينهم ، فقال قائل : يا رب ، لم خلطت بينهم ؟ قال : لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، ثم ردهم في صلب آدم [ عليه السلام ] . رواه ابن مردويه

أثر آخر : قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب [ رضي الله عنه ] في قول الله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) الآية والتي بعدها ، قال : فجمعهم له يومئذ جميعا ، ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فجعلهم أرواحا ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ، وأخذ عليهم العهد والميثاق ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، الآية . قال : فإني أشهد عليكم السماوات السبع ، والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة : لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ، ولا رب غيري ، فلا تشركوا بي شيئا ، وإني سأرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتبي . قالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقروا له يومئذ بالطاعة ، ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ، فرأى فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك . فقال : يا رب ، لو سويت بين عبادك ؟ قال : إني أحببت أن أشكر . ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول تعالى ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم [ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ] ) [ الأحزاب : 7 ] وهو الذي يقول : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله [ التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ] ) الآية [ الروم : 30 ] ، ومن ذلك قال : ( هذا نذير من النذر الأولى ) [ النجم : 56 ] ومن ذلك قال : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد [ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ] ) [ الأعراف : 102 ] .

رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه ، ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه في تفاسيرهم ، من رواية ابن جعفر الرازي ، به . وروي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد من علماء السلف ، سياقات توافق هذه الأحاديث ، اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك الآثار كلها ، وبالله المستعان .

فهذه الأحاديث دالة على أن الله ، عز وجل ، استخرج ذرية آدم من صلبه ، وميز بين أهل الجنة وأهل النار ، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم ، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] وفي حديث عبد الله بن عمرو [ رضي الله عنهما ] وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان ، كما تقدم . ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد ، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع . وقد فسر الحسن البصري الآية بذلك ، قالوا : ولهذا قال : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم ) ولم يقل : " من آدم " ، ( من ظهورهم ) ولم يقل : " من ظهره " ) ذرياتهم ) أي : جعل نسلهم جيلا بعد جيل ، وقرنا بعد قرن ، كما قال تعالى : ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) [ الأنعام : 165 ] وقال : ( ويجعلكم خلفاء الأرض ) [ النمل : 62 ] وقال : ( كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) [ الأنعام : 133 ]

ثم قال : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) أي : أوجدهم شاهدين بذلك ، قائلين له حالا وقالا . والشهادة تارة تكون بالقول ، كما قال [ تعالى ] ( قالوا شهدنا على أنفسنا ) [ الأنعام : 130 ] الآية ، وتارة تكون حالا كما قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ التوبة : 17 ] أي : حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك ، وكذلك قوله تعالى : ( وإنه على ذلك لشهيد ) [ العاديات : 7 ] كما أن السؤال تارة يكون بالقال ، وتارة يكون بالحال ، كما في قوله : ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) [ إبراهيم : 34 ] قالوا : ومما يدل على أن المراد بهذا هذا ، أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك ، فلو كان قد وقع هذا كما قاله من قال لكان كل أحد يذكره ، ليكون حجة عليه . فإن قيل : إخبار الرسول به كاف في وجوده ، فالجواب : أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره . وهذا جعل حجة مستقلة عليهم ، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ; ولهذا قال : ( أن يقولوا ) أي : لئلا يقولوا يوم القيامة : ( إنا كنا عن هذا ) أي : [ عن ] التوحيد ( غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا ) الآية .


تفسير الطبري :

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك} أي واذكر لهم مع ما سبق من تذكير المواثيق في كتابهم ما أخذت من المواثيق من العباد يوم الذر. وهذه آية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها وأحكامها، فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه فقال قوم : معنى الآية أن الله تعالى أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض {أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم} دلهم بخلقه على توحيده؛ لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا. {ألست بربكم} أي قال. فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، والإقرار منهم؛ كما قال تعالى في السماوات والأرض {قالتا أتينا طائعين} [فصلت : 11]. ذهب إلى هذا القفال وأطنب. وقيل : إنه سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وإنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها. قلت : وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذين القولين، وأنه تعالى أخرج الأشباح فيها الأرواح من ظهر آدم عليه السلام. وروى مالك في موطئه أن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} فقال عمر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون}. فقال رجل : ففيم العمل؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار}. قال أبو عمر : هذا حديث منقطع الإسناد؛ لأن مسلم بن يسار لم يلق عمر. وقال فيه يحيى بن معين : مسلم بن يسار لا يعرف، بينه وبين عمر نعيم بن ربيعة، ذكره النسائي، ونعيم غير معروف بحمل العلم. لكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبدالله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم. روى الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل رجل منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال يا رب من هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال أي رب من هذا؟ فقال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود فقال رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال أي رب زده من عمري أربعين سنة فلما انقضى عمر آدم عليه السلام جاءه ملك الموت فقال أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال أو لم تعطها ابنك داود قال فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته}. في غير الترمذي : فحينئذ أمر بالكتاب والشهود. في رواية : فرأى فيهم الضعف والغني والفقير والذليل والمبتلى والصحيح. فقال له آدم : يا رب، ما هذا؟ ألا سويت بينهم! قال : أردت أن أشكر. وروى عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس}. وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره. فأقروا بذلك والتزموه، وأعلمهم بأنه سيبعث إليهم الرسل؛ فشهد بعضهم على بعض. قال أبي بن كعب : وأشهد عليهم السماوات السبع، فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عليه العهد. واختلف في الموضع الذي أخذ فيه الميثاق حين أخرجوا على أربعة أقوال؛ فقال ابن عباس : ببطن نعمان، واد إلى جنب عرفة. وروي عنه أن ذلك برهبا - أرض بالهند - الذي هبط فيه آدم عليه السلام. وقال يحيى بن سلام قال ابن عباس في هذه الآية : أهبط الله آدم بالهند، ثم مسح على ظهره فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم قال {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} قال يحيى قال الحسن : ثم أعادهم في صلب آدم عليه السلام. وقال الكلبي : بين مكة والطائف. وقال السدي : في السماء الدنيا حين أهبط من الجنة إليها مسح على ظهره فأخرج من صفحة ظهره اليمنى ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ، فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي. وأخرج من صفحة ظهره اليسرى ذرية سوداء وقال لهم ادخلوا النار ولا أبالي. قال ابن جريج : خرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء، وكل نفس مخلوقة للنار سوداء. الثانية: قال ابن العربي رحمه الله: {فإن قيل فكيف يجوز أن يعذب الخلق وهم لم يذنبوا، أو يعاقبهم على ما أراده منهم وكتبه عليهم وساقهم إليه، قلنا : ومن أين يمتنع ذلك، أعقلا أم شرعا؟ فإن قيل : لأن الرحيم الحكيم منا لا يجوز أن يفعل ذلك. قلنا : لأن فوقه آمرا يأمره وناهيا ينهاه، وربنا تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا يجوز أن يقاس الخلق بالخالق، ولا تحمل أفعال العباد على أفعال الإله، وبالحقيقة الأفعال كلها لله جل جلاله، والخلق بأجمعهم له، صرفهم كيف شاء، وحكم بينهم بما أراد، وهذا الذي يجده الآدمي إنما تبعث عليه رقة الجبلة وشفقة الجنسية وحب الثناء والمدح؛ لما يتوقع في ذلك من الانتفاع، والباري تعالى متقدس عن ذلك كله، فلا يجوز أن يعتبر به}. الثالثة: واختلف في هذه الآية، هل هي خاصة أو عامة. فقيل : الآية خاصة؛ لأنه تعالى قال {من بني آدم من ظهورهم} فخرج من هذا الحديث من كان من ولد آدم لصلبه. وقال جل وعز {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} فخرج منها كل من لم يكن له آباء مشركون. وقيل : هي مخصوصة فيمن أخذ عليه العهد على ألسنة الأنبياء. وقيل : بل هي عامة لجميع الناس؛ لأن كل أحد يعلم أنه كان طفلا فغذي وربي، وأن له مدبرا وخالقا. فهذا معنى {وأشهدهم على أنفسهم}. ومعنى {قالوا بلى} أي إن ذلك واجب عليهم. فلما اعترف الخلق لله سبحانه بأنه الرب ثم ذهلوا عنه ذكرهم بأنبيائه وختم الذكر بأفضل أصفيائه لتقوم حجته عليهم فقال له{فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمصيطر} [الغاشية : 22]. ثم مكنه من الصيطرة، وأتاه السلطنة، ومكن له دينه في الأرض. قال الطرطوشي : إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة، كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وقد نسيه}. الرابعة: وقد استدل بهذه الآية من قال : إن من مات صغيرا دخل الجنة لإقراره في، الميثاق الأول. ومن بلغ العقل لم يغنه الميثاق الأول. وهذا القائل يقول : أطفال المشركين في الجنة، وهو الصحيح في الباب. وهذه المسألة اختلف فيها لاختلاف الآثار، والصحيح ما ذكرناه. وسيأتي الكلام في هذا في {الروم} إن شاء الله. وقد أتينا عليها في كتاب {التذكرة} والحمد لله. الخامسة: قوله تعالى {من ظهورهم} بدل اشتمال من قوله {من بني آدم}. وألفاظ الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم، وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظ. ووجه النظم على هذا : وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم. وإنما لم يذكر ظهر آدم لأن المعلوم أنهم كلهم بنوه. وأنهم أخرجوا يوم الميثاق من ظهره. فاستغنى عن ذكره لقوله{من بني آدم}. {ذريتهم} قرأ الكوفيون وابن كثير بالتوحيد وفتح التاء، وهي تقع للواحد والجمع؛ قال الله تعالى {هب لي من لدنك ذرية طيبة} [آل عمران : 38] فهذا للواحد؛ لأنه إنما سأل هبة ولد فبشر بيحيى. وأجمع القراء على التوحيد في قوله {من ذرية آدم}[مريم : 58] ولا شيء أكثر من ذرية آدم. وقال {وكنا ذرية من بعدهم} فهذا للجمع. وقرأ الباقون {ذرياتهم} بالجمع، لأن الذرية لما كانت تقع للواحد أتى بلفظ لا يقع للواحد فجمع لتخلص الكلمة إلى معناها المقصود إليه لا يشركها فيه شيء وهو الجمع؛ لأن ظهور بني آدم استخرج منها ذريات كثيرة متناسبة، أعقاب بعد أعقاب، لا يعلم عددهم إلا الله؛ فجمع لهذا المعنى. السادسة: قوله تعالى {بلى} تقدم القول فيها في {البقرة}. {أن يقولوا} {أو يقولوا} قرأ أبو عمرو بالياء فيهما. ردهما على لفظ الغيبة المتكرر قبله، وهو قوله {من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم}. وقوله {قالوا بلى} أيضا لفظ غيبة. وكذا {وكنا ذرية من بعدهم} {ولعلهم} فحمله على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة. وقرأ الباقون بالتاء فيهما؛ ردوه على لفظ الخطاب المتقدم في قوله {ألست بربكم قالوا بلى}. ويكون {شهدنا} من قول الملائكة. لما قالوا {بلى} قالت الملائكة {شهدنا أن تقولوا} {أو تقولوا} أي لئلا تقولوا. وقيل : معنى ذلك أنهم لما قالوا بلى، فأقروا له بالربوبية، قال الله تعالى للملائكة : اشهدوا قالوا شهدنا بإقراركم لئلا تقولوا أو تقولوا. وهذا قول مجاهد والضحاك والسدي. وقال ابن عباس وأبي بن كعب : قوله {شهدنا} هو من قول بني آدم، والمعنى : شهدنا أنك ربنا وإلهنا، وقال ابن عباس : أشهد بعضهم على بعض؛ فالمعنى على هذا قالوا بلى شهد بعضنا على بعض؛ فإذا كان ذلك من قول الملائكة فيوقف على {بلى} ولا يحسن الوقف عليه إذا كان من قول بني آدم؛ لأن {أن} متعلقة بما قبل بلى، من قوله {وأشهدهم على أنفسهم} لئلا يقولوا. وقد روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا}. أي شهدنا عليكم بالإقرار بالربوبية لئلا تقولوا. فهذا يدل على التاء. قال مكي : وهو الاختيار لصحة معناه، ولأن الجماعة عليه. وقد قيل : إن قوله {شهدنا} من قول الله تعالى والملائكة. والمعنى : فشهدنا على إقراركم؛ قاله أبو مالك، وروي عن السدي أيضا. {وكنا ذرية من بعدهم} أي اقتدينا بهم. {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} بمعنى : لست تفعل هذا. ولا عذر للمقلد في التوحيد.

التفسير الميسّر:

أو لئلا تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد، فاقتدينا بهم من بعدهم، أفتعذبنا بما فعل الذين أبطلوا أعمالهم بجعلهم مع الله شريكا في العبادة؟

تفسير السعدي

أو تحتجون أيضا بحجة أخرى، فتقولون: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم. أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ فقد أودع اللّه في فطركم، ما يدلكم على أن ما مع آبائكم باطل، وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه. نعم قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضالين، ومذاهبهم الفاسدة ما يظنه هو الحق، وما ذاك إلا لإعراضه، عن حجج اللّه وبيناته، وآياته الأفقية والنفسية، فإعراضه عن ذلك، وإقباله على ما قاله المبطلون، ربما صيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق، هذا هو الصواب في تفسير هذه الآيات. وقد قيل: إن هذا يوم أخذ اللّه الميثاق على ذرية آدم، حين استخرجهم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم، فشهدوا بذلك، فاحتج عليهم بما أقروا به في ذلك الوقت على ظلمهم في كفرهم، وعنادهم في الدنيا والآخرة، ولكن ليس في الآية ما يدل على هذا، ولا له مناسبة، ولا تقتضيه حكمة اللّه تعالى، والواقع شاهد بذلك. فإن هذا العهد والميثاق، الذي ذكروا، أنه حين أخرج اللّه ذرية آدم من ظهره، حين كانوا في عالم كالذر، لا يذكره أحد، ولا يخطر ببال آدمي، فكيف يحتج اللّه عليهم بأمر ليس عندهم به خبر، ولا له عين ولا أثر؟"


تفسير البغوي

قوله تعالى : ( أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ) يقول : إنما أخذ الميثاق عليكم لئلا تقولوا أيها المشركون : إنما أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم ، أي كنا أتباعا لهم فاقتدينا بهم ، فتجعلوا هذا عذرا لأنفسكم وتقولوا : ( أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين ، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق على التوحيد .


الإعراب:

(أَوْ) عاطفة (تَقُولُوا) عطف على أن تقولوا والتقدير لئلا تقولوا.

(إِنَّما) كافة ومكفوفة.

(أَشْرَكَ آباؤُنا) فعل ماض وفاعل مرفوع ونا في محل جر بالإضافة.

(مِنْ قَبْلُ) قبل ظرف زمان مبني على الضم في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بأشرك والجملة مقول القول.

(وَكُنَّا ذُرِّيَّةً) كان واسمها وخبرها.

(مِنْ بَعْدِهِمْ) متعلقان بمحذوف صفة ذرية والجملة معطوفة.

(أَفَتُهْلِكُنا) فعل مضارع ومفعول به والهمزة للاستفهام.

(بِما) ما اسم موصول في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بالفعل، والجملة مستأنفة. والجملة الفعلية (فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) صلة.

---

Traslation and Transliteration:

Aw taqooloo innama ashraka abaona min qablu wakunna thurriyyatan min baAAdihim afatuhlikuna bima faAAala almubtiloona

بيانات السورة

اسم السورة سورة الأعراف (Al-A'raf - The Heights)
ترتيبها 7
عدد آياتها 206
عدد كلماتها 3344
عدد حروفها 14071
معنى اسمها (الأَعْرَافُ) جَمْعُ (عُرْفٍ)، وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَالمُرَادُ بِـ(الأَعْرَافِ): السُّورُ الَّذِي بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يُحْبَسُ فِيهِ مَن تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُم وسَيِّئَاتُهُم
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأَعْرَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْمِيقَاتِ)، وَسُورَةَ (الْمِيثَاقِ)
مقاصدها بَيَانُ السُّنَنِ الإِلَهِيَّةِ فِي التَّدَافُعِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَعْرَافِ) بِآخِرِهَا: الإِشَارَةُ إلَى أنَّ القُرْآنَ ذِكْرَى وَرَحْمَةٌ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ٢٠٤﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ): قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خِتَامِ (الْأَنْعَامِ): ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ ...١٦٥﴾، وَقَالَ فِي أَوَّلِ (الْأَعْرَافِ): ﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ...١٠﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !