المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 58]
سورة التوبة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409تفسير ابن كثير:
يقول تعالى : ( ومنهم ) أي ومن المنافقين ( من يلمزك ) أي : يعيب عليك ) في ) قسم ) الصدقات ) إذا فرقتها ، ويتهمك في ذلك ، وهم المتهمون المأبونون ، وهم مع هذا لا ينكرون للدين ، وإنما ينكرون لحظ أنفسهم ؛ ولهذا إن ( أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) أي : يغضبون لأنفسهم .
قال ابن جريج : أخبرني داود بن أبي عاصم قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بصدقة ، فقسمها هاهنا وهاهنا حتى ذهبت . قال : ووراءه رجل من الأنصار فقال : ما هذا بالعدل ؟ فنزلت هذه الآية .
وقال قتادة في قوله : ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) يقول : ومنهم من يطعن عليك في الصدقات . وذكر لنا أن رجلا من [ أهل ] البادية حديث عهد بأعرابية ، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم ذهبا وفضة ، فقال : يا محمد ، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ، ما عدلت . فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي . ثم قال نبي الله : احذروا هذا وأشباهه ، فإن في أمتي أشباه هذا ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، فإذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم . وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه ، إنما أنا خازن .
وهذا الذي ذكره قتادة شبيه بما رواه الشيخان من حديث الزهري ، عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قصة ذي الخويصرة - واسمه حرقوص - لما اعترض على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قسم غنائم حنين ، فقال له : اعدل ، فإنك لم تعدل . فقال : لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رآه مقفيا : إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإنهم شر قتلى تحت أديم السماءوذكر بقية الحديث .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
أي: ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات، وينتقد عليك فيها، وليس انتقادهم فيها وعيبهم لقصد صحيح، ولا لرأي رجيح، وإنما مقصودهم أن يعطوا منها. {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وهذه حالة لا تنبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه، تابعا لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد، بل الذي ينبغي أن يكون هواه تبعا لمرضاة ربه، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)
تفسير البغوي
قوله تعالى ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) الآية نزلت في ذي الخويصرة التميمي ، واسمه حرقوص بن زهير ، أصل الخوارج .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما فينا ، أتاه ذو الخويصرة ، وهو رجل من بني تميم فقال : يا رسول اعدل ، فقال : " ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل " ، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه ، فقال له : " دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه ، وهو قدحه ، فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم : رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس " . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس ، فوجد ، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته .
وقال الكلبي : قال رجل من المنافقين يقال له أبو الجواظ : لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تقسم بالسوية ، فأنزل الله تعالى ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) أي : يعيبك في أمرها وتفريقها ويطعن عليك فيها . يقال : لمزه وهمزه ، أي : عابه ، يعني أن المنافقين كانوا يقولون إن محمدا لا يعطي إلا من أحب . وقرأ يعقوب ( يلمزك ) حيث كان . وقال مجاهد : يلمزك أي : يروزك يعني : يختبرك . ( فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) قيل : إن أعطوا كثيرا فرحوا وإن أعطوا قليلا سخطوا .
الإعراب:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) إعرابه كقوله تعالى ومنهم من يقول ائذن لي في الآية 50.
(فَإِنْ) شرطية والفاء استئنافية.
(أُعْطُوا) فعل ماض مبني للمجهول، والواو نائب فاعل، وهو في محل جزم فعل الشرط والجملة لا محل لها ابتدائية.
(مِنْها) متعلقان بمحذوف هو مفعول به ثان أي أعطوا بعضا منها. ونائب الفاعل الواو هو المفعول الأول.
(رَضُوا) فعل ماض وفاعله والجملة لا محل لها جواب شرط جازم لم يقترن بالفاء أو إذا.
(وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا) منها مثل إن أعطوا..
(إِذا) الفجائية.
(هُمْ) مبتدأ وجملة (يَسْخَطُونَ) خبر. والجملة الاسمية (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) في محل جزم جواب الشرط. وجملة وإن لم يعطوا معطوفة.